كان يُفترض أن تقتصر الضربات الروسية على «داعش» وأخواتها، لكنها استهدفت «الجيش السوري الحرّ» أوّلاً. ويبدو مثيراً أن يكون «الحُرّ» ضحية موسكو وواشنطن وتركيا وإيران والعرب وإسرائيل معاً، على رغم أنّ الجميع يرفع شعاراً مشترَكاً هو ضرب «داعش»!يُبدي مصدرٌ في المعارضة السورية قلقاً متزايداً بعد دخول الروس. ويقول: لدينا انطباعٌ بأنّ الولايات المتحدة توافق على مبدأ التدخّل الروسي لتأمين استمرار الأسد، وإن اختلفت مع موسكو على التفاصيل. كما أنها توافق على مبدأ الدعم الإيراني لنظام الأسد، تحت شعار: ما البديل؟

فالغربيون يخشون الإرهاب الإسلامي، ويقولون إنّ من الخطأ إزالة الأسد قبل تسوية تمنح سوريا للمعتدلين. ولكنّ الأسد وحلفاءه يعطِّلون التسوية ويدعمون في شكلٍ غير مباشر إستمرار «داعش»، ليبقى الغربيون رهينة لهم. وستزيد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الضغوط التي ستدفع الغرب إلى القبول بالأمر الواقع السوري، كيفما كان.

وهكذا، فالمعارضة السورية المعتدلة هي اليوم أمام محك حاسم: هل هي قيد الانسحاق بعدما سحب الجميع أيديهم منها؟ واللافت أنّ «داعش» والجماعات الإرهابية تتلقّيان دعماً خارجياً أفضل من ذاك الذي تتلقاه هذه المعارضة.

يضيف المصدر: الروس يضربوننا ويعتبرون أننا مجرد غطاء وهمي أو رمزي للمتطرفين، والأميركيون يكتفون بدعم لا يقدّم ولا يؤخّر في معركة طاحنة، خصوصاً بعد اتفاقهم مع إيران، والأتراك كانوا يهدِّدون بدخول الشمال لضرب «داعش» فتراجعوا، والخليجيون منشغلون باليمن ومسائلهم الأخرى. أما الإيرانيون فمعروف عداؤهم لنا، ونعتقد أنّ هناك خيطاً رفيعاً يربطهم بـ»داعش».

والمهزلة هي أنّ الروس يطرحون علينا أن نحاورَهم، والأميركيون يرون فينا الحليفَ الأول، والأتراك يعلنون أنهم يحتضنوننا ويغطوننا دولياً. وحتى إيران تقول إنّ مصلحتها هي مع المعتدلين في سوريا ولبنان والعراق، لا مع «داعش».

إذاً، في تقدير المصدر، ما يجري تحت الطاولة مختلفٌ عما يجري فوقها. فهناك تقاطعٌ للمصالح على إهمال المعارضة المعتدلة. وأساساً، نمت القوى المتطرفة إصطناعياً بسبب تعنُّت الأسد والتخاذل الدولي والإقليمي. وعلى الأرجح، في المرحلة المقبلة، سينمو التطرُّف أكثر ليتحوَّل النزاع نزاعاً لا ينتهي بين متطرفين، أو لتكون التسوية بين المتطرفين وحدهم.

وما يقوله المصدر المعارض يلتقي مع الشكوك المتزايدة حول رغبة العديد من القوى الإقليمية، وفي مقدمها إسرائيل، في تظهير القوى المتطرفة طائفياً ومذهبياً وقومياً في سوريا والشرق الأوسط، ما يؤدي إلى رسم خرائط جديدة قوامها هذه الجماعات المتطرفة.

ويعتقد كثيرون أنّ التحالف الدولي لضرب «داعش» ليس سوى تركيبة شكلية هدفها وضع الحدود لتوسُّع هذا التنظيم، لا القضاء عليه. والضحية الحقيقية فهي الاعتدال السنّي في سوريا والعراق. أما موسكو فهي في العمق لا تعترف بوجود هذا الاعتدال، فيما تتحدث عن هواجسها من مخاطر نموّ التطرُّف، واحتمال انتقال العدوى إلى الداخل الروسي.

في مقابل هذه الصورة، تحاول موسكو، وبعد الضربات الأولى التي استهدفت «الجيش الحرّ»، أن تعيد التركيز على «داعش» والقوى المتطرفة الأخرى. ووفق القريبين من السياسة الروسية، فإنّ «الجيش الحرّ» هو الذي كان سبّاقاً في إعلان التعبئة ضدّ التدخّل الروسي، في اللحظات الأولى، ومن دون مبرِّر إلا أنّ موسكو حليفة للأسد. ويقول هؤلاء إنّ روسيا كانت تأخذ على «الجيش الحرّ» تعاطيه العدائي مع وجود الخبراء الروس في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية.

ففي مطلع آب 2012، أعلن «الحرّ» أنه نجح في اصطياد جنرال روسي يعمل في سوريا مستشاراً لوزير الدفاع، ويدعى فلاديمير بيتروفيتش كوجييف، ومعه وثائق وخرائط خاصة بالجيش السوري وتقارير عن المعارضة و»الجيش الحرّ».

لكنّ الضابط نفسه خرج لينفي الخبر. وهذا يعني، في تقدير الروس، أنّ «الحرّ» تصرَّف عدائياً مع الوجود الروسي عندما كان مقتصراً على الخبراء، وقبل أن يتطوَّر إلى المستوى القتالي.

في أيّ حال، وفيما الائتلاف السوري المعارض يعيش وضعاً سياسياً مأزوماً، فإنّ «الجيش السوري الحرّ» يدخل أيضاً وضعية حسّاسة مع دخول الروس جوّاً والتوقعات التي يطلقها معارضون سوريون بدخول الإيرانيين برّاً، على امتداد الممرّ الذي يربط الساحل بالعاصمة دمشق، وصولاً إلى الجولان.

فالمناطق القليلة التي يسيطر عليها «الحرّ» مرشحة للتقلّص لا للتوسُّع. وإذا تمكَّن الروس من إبعاد «داعش» من بعض المناطق التي تحتلها، فإنهم حتماً سيمنحونها لمحور إيران والأسد و»حزب الله»، وليس للمعارضة المعتدلة.

وهكذا، ستوكل القوى الدولية والإقليمية إلى المتطرفين أن يتقاسموا سوريا. ومن سوء حظّ المعتدلين أنهم سيذهبون فَرْق عملة في عملية خداع إقليمية- دولية منظَّمة.

فالشرق الأوسط الجديد سينتجه المتطرفون. وأما المعتدلون فيشكلون جزءاً من صورة الشرق الأوسط السابق، الآيل إلى الاندثار. ومَن لا يصدِّق، فلينظر إلى ما تتجه إليه التطورات، بإدارة إسرائيلية، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.