منذ اليوم الأول، طرح عدد من المتابعين مجموعة من علامات الإستفهام، حول التدخل الروسي المباشر في ​الحرب السورية​، لرسم بنك أهداف يمكن العودة عليه في المستقبل، خصوصاً أن الحكم على أي عملية عسكرية يتطلب العودة إلى الخطوط العريضة، التي رسمتها السلطة السياسية منذ البداية، ومن ثم المقارنة بين ما تحقق منها وما عجزت السلطة العسكرية عن إنجازه في النهاية.

في هذا السياق، طُرحت في وسائل الإعلام مجموعة من العناوين الواضحة، التي تنطلق من دعم الرئيس السوري ​بشار الأسد​، ولا تنتهي باسقاط الحلم التركي باقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، بل تصل إلى حد منع حلف "​الناتو​" من السيطرة الكاملة على حوض البحر المتوسط، في ظل الإكتشافات النفطية الضخمة، بالإضافة إلى هدف بارز، تم التركيز عليه بشكل قوي، يتعلق بالقضاء على المقاتلين الذين ينتمون إلى بعض بلدان الإتحاد السوفياتي السابق، لكن ماذا تحقق حتى الآن؟

إنطلاقاً من الأجواء في الشارع السوري، يمكن التأكيد بأن معنويات الحكومة الرسمية اليوم، لم تعد كما كانت عليه قبل بدء العمليات العسكرية الروسية، نظراً إلى أنها باتت تحظى برعاية عسكرية دولية واضحة، مقابل الرعاية الإقليمية والدولية للكتائب والفصائل المعارضة، المعتدلة منها والمتطرفة، بعد أن كانت تحظى، طوال السنوات السابقة، بالرعاية السياسية التي تمنع صدور أي قرار يعارض مصالحها في مجلس الأمن الدولي.

هذا الأمر لا يعني أن ​الحكومة السورية​ لم تكن تحظى بالدعم العسكري الروسي، لكنه لم يكن بالشكل الذي هو عليه اليوم، حيث حضرت موسكو بطائراتها لتحقيق الأهداف الموضوعة، إنطلاقاً من الطلب السوري الرسمي، وهو ما يظهر بشكل واضح من خلال المواقف المتشددة التي يتحدث بها جميع المسؤولين السوريين في هذه الأيام.

في المحور المقابل، عكست الضربات الجوية الروسية حالة من الإرباك الشديد، ظهرت في تصاريح مختلف القوى الإقليمية والدولية، من تركيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، مروراً بكل من ​فرنسا​ و​بريطانيا​ وألمانيا، بسبب التضارب في المواقف، بين الدعوة إلى التنسيق مع موسكو والتحذير من خطورة الخطوات التي تقوم بها، على مستوى ​الأزمة السورية​، لكن أحداً لم يستطع أن ينكر أن الأوضاع اليوم لم تعد كما كانت عليه قبل أيام قليلة، بسبب نجاح ​روسيا​ بالتقدم إلى الأمام، من دون أن تستمع إلى كل الضجيج الغربي من حولها، والدليل الحوادث المتكررة بين الطائرات الروسية والتركية، التي من غير الوارد التسليم بحصولها من باب "الصدفة".

من هنا، نجحت الضربات الجوية الروسية، من حيث المبدأ، في وضع حدّ للحلم التركي بالحصول على منطقة آمنة أو عازلة في الشمال السوري، كان يسعى إليه لتحقيق مصالحه، لا بل وزارة الدفاع التركية باتت اليوم هي من يتحدث عن إختراق الطائرات الروسية مجالها الجوي، وعن تعرض طائراتها إلى "مضايقات" من قبل طائرات مجهولة، من دون أن تجرؤ على القيام بأي خطوة دفاعيّة.

بالإضافة إلى ذلك، رسمت موسكو خطوطاً عريضة لأي تسوية سياسية سورية، تقوم بشكل أساس على محورية دورها في مستقبل نظام الحكم في دمشق، الذي تصر على هويته العلمانية ورفض مشاريع التقسيم المتعددة، إلى جانب التأكيد على أهمية مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في أي مرحلة إنتقالية أو مستقبلية، خصوصاً أن الضربات الروسيّة الجويّة بدلت من موازين القوى العسكرية لصالحه في أغلب الجبهات، في حين لم تعد الجماعات المعارضة قادرة على التحرك بالراحة التي كانت تتمتع بها في السابق، كما أن تنظيم "داعش" الإرهابي لن يكون قادراً على التمدد نحو مناطق جديدة، كما فعل في ظل ​التحالف الدولي​ لمحاربة الإرهاب.

وفي وقت بات واضحًا فيه أن القوات السورية تتحضر للإنتقال إلى مرحلة الحملات البرية المحدّدة، لتأمين بعض المناطق الأساسية في المرحلة الأولى، لم يعد من الممكن توقع الجلوس حول طاولة مفاوضات سياسية في المستقبل، بالشروط نفسها التي كانت توضع في السابق، ومن يريد المشاركة في الحرب على الإرهاب عليه أن يتحدث مع موسكو أولاً، التي لديها شروطها الخاصة، المختلفة طبعاً عن تلك التي كان يريد وزير الخارجية الفرنسي ​لوران فابيوس​ وضعها عبر كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في المحصلة، قد لا يكون التدخل الروسي قادراً على قلب موازين القوى لصالح الدولة السورية بشكل كامل، لكن من المؤكد أن الأوضاع لن تعود إلى الوراء، وما حجم القلق الذي تعبّر عنه القوى الداعمة لقوى المعارضة إلا دليلا قاطعاً على هذه الحقيقة.