لم يعد خافياً على أحد في لبنان إن كان سياسياً أو مواطناً عادياً بأن الملف اللبناني وُضع على رف الإنتظار بكل مندرجاته واستحقاقاته، وأن كل ما يجري من لقاءات وحوارات لا تخرج عن كونها تعبئة للوقت الضائع وأنها بمثابة شيكات لا تُصرف لا في المصارف الداخلية ولا الخارجية، فالأزمة اللبنانية طويلة، وتحتاج إلى وقت لا يمكن لأحد تحديده لحلّها بانتظار أن ينكشف الغطاء عن التسوية التي يُعمل عليها في مطابخ دول القرار للمنطقة برمّتها ومن بينها لبنان.

هذه المُسلّمة لا يمكن لأي فريق سياسي على الإطلاق أن يتجاهلها أو يدحضها، وأن الجميع وُضع في هذه الأجواء من قِبَل المراجع الدبلوماسية بلسان رؤساء دولهم والذين أسدوا المسؤولين نصيحة بضرورة التعايش مع الواقع الحالي وضرورة المحافظة على الاستقرار العام لتمرير الوقت الفاصل على التسوية المحتملة، مع التأكيد بأن المظلة الدولية ما تزال سارية المفعول وأن الوضع اللبناني يبقي بمنأى عن الحريق المندلع في المنطقة ما دامت القوى السياسية محافظة على خطابها الذي لا يُحرّك الشارع ويُفلت الأوضاع من عقالها، وقد سمع الرئيس تمام سلام مثل هذا الكلام خلال وجوده في نيويورك من أكثر من رئيس دولة وحتى من الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما جعل رئيس الحكومة يعبّر أمام زواره عن خيبة أمله من التعاطي الدولي مع الملف اللبناني الذي على ما يبدو لم يعد أولوية عند الكثير من الدول التي كانت في الفترات الماضية تلعب دوراً محورياً في ما خصّ الأوضاع في لبنان.

وتؤكّد مصادر سياسية في هذا المجال أن طاولة الحوار المنعقدة في مجلس النواب هي ضرورة في هذا الوقت، كونها تحصر الإشتباك السياسي على الطاولة داخل غرفة مغلقة وتحول دون تأثّر الشارع فيه، ناهيك عن أنها تُساهم في حلحلة بعض العقد، من منطلق أن الحوار المباشر بين فريقين وأكثر وجهاً لوجه يؤدي في غالب الأحيان إلى اعتماد قاعدة التنازلات المتبادلة التي تؤدي بدورها إلى الوصول إلى حلول للأزمات المطروحة.

وفي اعتقاد هذه المصادر أن من أبرز مهام طاولة الحوار أن تكون حاضرة ناظرة لملاقاة أي تداعيات إيجابية تحصل على المستوى الإقليمي والدولي في هذه المرحلة، حيث وعلى ما يبدو بدأت تُرسم معالم خارطة جديدة للمنطقة من فضاء سوريا الذي بدأ يعجّ بالطائرات من كل حدبٍ وصوب.

وترى المصادر السياسية أن الأسابيع المقبلة ستكون حبلى بالتطورات في المنطقة، وأن الرياح السورية وكذلك اليمنية ستحمل معها بذور متغيّرات قاسية في أكثر من بلد، إذ أنه بدأ يُسمع ولو همساً في أروقة المحافل الدولية عن العمل لولادة «سايكس - بيكو» جديدة في الشرق الأوسط، ولذا فإنه لا يوجد بديل عن الحوار القائم مهما كانت الملاحظات عليه كأداة فعلية وواقعية لمنع لبنان من الإنزلاق إلى أي مستنقع وحصول التسوية وأبوابه مشلّخة مما يجعل أمر إبتلاعه سهلاً في خضمّ هذا الصراع الإقليمي والدولي المستعر أو فرض تسويات عليه.

وتؤكّد المصادر عن أن لا خيار أمام القوى السياسية سوى إيجاد المخارج لأزماتهم الداخلية، وأقلّ ما يتوجّب عليهم فعله في هذه المرحلة إعادة ضخّ الدماء في شرايين الحكومة والحؤول دون وفاتها سريرياً، باعتبار أن هناك ملفات كثيرة على هذه الحكومة إنجازها أو مواجهتها في ظل الفراغ الرئاسي الحاصل من جهة، ومن جهة ثانية لحفظ مصداقية لبنان التي باتت على المحك الدولي الذي ينتظر أن يعمّ الاستقرار للبدء في الوفاء بالوعود المالية والاقتصادية التي يتوجّب على لبنان اتخاذ إجراءات لقوننة هذه الأمور وتشريعها.

وفي هذا الخصوص فإن المصادر لا تستبعد في حال حصول تقدّم ما على طاولة الحوار أن يدعو الرئيس سلام إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء عصر غدٍ الخميس لمعالجة أزمة النفايات التي استحوذت باهتمام أقطاب الحوار، بالإضافة إلى معالجة مسألة الترقيات وما إلى هنالك من ملفات متراكمة في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتحتاج إلى مقاربة سريعة لإنجازها.

وكشفت المصادر أن المشاورات تجري على قدم وساق للوصول إلى تسوية في ما خص الترقيات العسكرية، حيث يتم التداول بصيغ متعددة وجوجلتها للوصول إلى صيغة موحدة تُخرج هذا الملف من بازار الجدل السياسي الذي فيما لو استمر سيجعل الحكومة مقيّدة ولا قدرة لها على القيام بعملها كما هو متوجب عليها، وهذا الأمر سيكون له في حال حصوله مردود سلبي على مُجمل الوضع العام، حيث سيستوطن الفراغ والشلل في المؤسسات مما يجعل الهيكل اللبناني آيلاً للسقوط وإن سقط فإنه لن يكون على رأس طرف سياسي دون آخر.