الطول: 180 سم وما فوق؛ الوزن: 80 وما دون؛ لون البشرة: بيضاء وكحدٍّ أقصى حنطية؛ الشعر: مائل الى الكستنائي ولا يشوبه الصلع؛ “اللوك” المطلوب: شديد الولع بالبزات بغض النظر عن المناسبة؛ الخُلُق: غير مهمّ؛ الطائفة: ماروني؛ الشخصيّة: قويّة وقد تنفع المتوسّطة... للمتحاورين مواصفاتُهم ولنا مواصفاتُنا، ولمن يتوفّر فيه المذكور آنفًا أن يقدّم لا على مسابقة ملك جمال لبنان بل على مسابقة رئيس جمهورية لبنان.

هذه ليست مجرّد نكتةً فايسبوكيّة أو حملة لأرباب الحملات الساخرة هذه الأيام في سرودهم وبرودهم وما أكثرها. هذا ببساطةٍ هو الوضع الذي آلت اليه مشهديّة البحث عن رئيسٍ للجمهورية اللبنانية أو قلْ السياق الهزئي الذي فرضه الزعماء على صورة الرئاسة في رحلة إنهاء شغورها والتسويف في النظر في وضعها وحسم عزوبيّتها بذريعةٍ بات توصيف “الفوضويّة” قليلاً عليها: المواصفات. في الأمس، كال كلٌّ ما لديه. ردّد كلٌّ منهم ما حفظه في الاستظهارات الوطنية عن رجل قويّ، عريض المنكبيْن، حسن الخلق والسلوك، وطنيّ يحبّ أرضه وشعبه، له ثوابت وتاريخ نظيف، يحمي أبناء طائفته... بدت لكلٍّ من المتحاورين معاييره المتشابهة في الشكل العام، المتنافرة في مرحلة إلباسها لشخصٍ واحدٍ عليه أن تتوفّر فيه عشرات الصفات المطروحة رغمًا عن أنفه وبالفطرة لا بأعجوبةٍ سماوية.

لفظٌ بريء...

ما هي المواصفات؟ بالعودة الى “إيتيمولوجيا” اللفظ تبدو كلمة “مواصفات” بريئة من كلّ التُّهم المنسوبة اليها اليوم بتأخير انتخاب رئيسٍ جديد للبنان. فهي في الأساس ليست سوى لفظ متحدّرٍ من فعل “وصف” وجمع لكلمة “مواصفة” وفي معناه الأكثر بساطة: صفةُ الشيءِ المطلوب شراؤه أَو عَمَلُه. اليوم، يتّخذ اللفظ منحًى آخر، فليس المطلوب في الحقيقة شراء رئيسٍ وإن يبدو الأمر كذلك في أسواق الداخل والخارج لا بل في بازاراتهما أو بتعبير أكثر لطافةً في مزاداتهما العلنية. هكذا غدت الرئاسة ومواصفاتها أشبه بسلعةٍ يُعاقَب مهينُها بتحقير أو ازدراء رغم شغورها، ويُلام المصوِّب على موقعها رغم أن ليست للخشب قيمة بل للجالس عليه، ويُشتَم المنادي برئيسٍ قويٍّ يعيد الى الموقع صلاحياته لا بل هيبَته المفقودة منذ عهد الطائف الشهير.

بشريّ من لحم ودم

ليس بيتُ القصيد في تلك المساعي الحثيثة أيًا كانت صُدقيّة ناسها، بل في المواصفات التي يُحكى عنها والتي إن لم تُصعّب مهمّة الوقوع على من يمتلكها وهي كذلك، تبدو أشبه بشروطٍ لمسابقات جمال عالميّة. مسابقات تشبه “لمُّتها” طاولة الحوار المنعقدة في جلستها الخامسة أمس والثانية في ثلاثيّة سقطت مساءً وهدفها الأوّل البحث في الرئيس ومواصفاته. ربّما يخلط هؤلاء بين الرئيس كبني آدم ذي جسمٍ بشريّ من لحم ودم وبين بزّته السوداء في الصورة البروتوكولية المعهودة في قصر بعبدا: فهذه الأخيرة قد يجوز عليها فعل “التوصاية” أمّا الرئيس نفسه فلا يكون “عالطلب” وهو ليس علبة سردين تُحفَظ في مكان رطبٍ على رفٍّ. ربّما يخلط هؤلاء بين مواصفاتٍ جماليّة وأخرى محقّة قد لا يجدونها في لبنانيٍّ على قيد الحياة. فمن ليست منهم فيه عورةُ فساد ونهبٍ يحاربه العمر، ومن لا يحاربُه العمر يكون هزيل الشخص والشخصية، سخيف الفكر والتفكير، خاسر الشعب والشعبيّة، وباهت اللون والتمثيل.

خطّ النهاية...

الى هذا المستوى انحدرت النظرة الى رئيس البلاد ومعها لغة الناظرين. ربّما يحقُّ لهؤلاء أن يجعلوا من رئيس بلادهم “مسخرة” على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما منحهم ممثلوهم هذه الفرصة. وربما لا يحقّ لهم أن يسخّفوا المنصب الأول في البلاد بترّهاتٍ متذرّعة بحريّة التعبير لا تحلّ ولا تربط. الأكيد أن تلك المواصفات التي باتت على كلّ لسان قد تكون السبب الرئيس وراء هجر التيار الوطني الحرّ طاولة الحوار بناءً على المواصفات التي يطرحها تيار المستقبل للرئاسة والتي لا تأخذ في الاعتبار أهميّة الخروج برئيسٍ قويٍّ كما يريده المسيحيون بحجّةٍ لم يتردّد الرئيس فؤاد السنيورة في المُجاهرة بها في أولى الجلسات ومفادها: الرئيس للجميع ولا يجب أن يكون قويًا. فرضيّة تستفزّ الرابية تحديدًا وهي العاملة على خطّ استعادة الصلاحيات وتعزيز موقع الرئاسة بشخصٍ “بيعبّي مطرحو” بعد ما يناهز 17 شهرًا من الشغور.

عناوين...

بعيدًا من اللغة التهكميّة التي لا تتسع لها صفحة واحدة متى أطلِق العنان لها بعدما غدا البلد برمّته “مسخرة بمسخرة”، تبدو المواصفات التي رسمها العماد ميشال عون لأيّ اسمٍ مرشّح لملء الشغور واضحة ومعروفة: قويّ بشخصه وتمثيله. لا تهضم معدة بيت الوسط هذه المواصَفة بالذات كونها تعتبرها غير متوفّرة إلا في شخص عون والدكتور سمير جعجع في درجةٍ ثانية. وعليه، قد ينطوي ذاك الرفض على اعترافٍ مستقبليٍّ ضمنيٍّ بأن عون الرئيس الأقوى وإن اختلفت معايير القوّة بين الطرفين: فميشال سليمان الذي كان قويًا في نظر “المستقبل” لم يكن كذلك حتمًا في نظر الرابية التي تتحاشى وحلفاؤها تكرار تجربته. وفيما تبدو “الوطنية” عنوانًا فضفاضًا يهرب منه الرئيس نبيه برّي الى الأمام ويحافظ من خلاله على حياديّته وهو غير الراغب ضمنيًا في تبني خيار عون، وحده حزب الله لا يبدو متطلبًا في هذا المجال بعدما حسم خياره ووجد كلّ المواصفات المطلوبة في حليفه الماروني، ومتى لم يكن هو “المُختار” فالشرط الأساس أن يحافظ المُتّفَق على زرعه “ديكورًا” في القصر المهجور على العداء لإسرائيل ودعم المقاومة. أما بعض الأطراف المسيحيين فامتلكوا ما يكفي من الجرأة للمطالبة من باب “النكائيّة السياسيّة” وخسارتهم فرص الوصول الى بعبدا برئيس حياديّ. فهم الجميع مساءً أن فوضى المواصفات ستكون السبب المُعلَن لتلاشي الحوار الذي أعدّ له برّي طويلاً وحاول إقناع عون بحضور كلّ جلساته ونجح نسبيًا في ذلك ولكن الى حدٍّ ما بعدما ضاق نفَس الرابية على ما تظهّر في جلسة الأمس وغدرها المتحدّثون عن مواصفاتٍ تجافي منطقها وربما المنطق العام.

جنس الجنين!

ربّما توصّل الطبّ الحديث الى منح الوالدين فرصة اختيار جنس جنينهما ولون عينيه حتى بتقنياتٍ تقدميّة فيها الكثير أغلب الظنّ من الكفر بمشيئة السماء، ولكنه لم يتوصّل بعد الى منح عرّابي الحوار فرصة “تفصيل” رئيس على قياسٍ كلٍّ منهم... هنا الحديث عن مواصفاتٍ بات أشبه بالكفر الموصوف في حقّ رئاسةٍ ملكُها غائب ووصيفُه يمثله أينما شاء وكيفما شاء...