تتوالى جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري على وقع حراك شعبي مستمر إلى أجل غير محدّد، بدأ بإشكالات أمنية قد تتطوّر إلى ما هو أبعد من احتجاج، وصولاً إلى إمكانية استغلاله خارجياً، وبالتالي لا أفق واضح أمام اللبنانيين كمخرج من الضبابية المحيطة بالاستحقاقات المتراكمة.

يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري إيجاد خرق ما يمكن من خلاله التعويل على مشروع توافق بين اللبنانيين على ملفّ، ولو كان واحداً يشكل في حدّ ذاته نافذة ضوء تفتح الآفاق المسدودة التي تكشفت في موضوع التعيينات الأمنية في جلسة مجلس الوزراء، وبالاحتقان الذي بدا واضحاً في الجلسة الساخنة للجنة الأشغال والطاقة النيابية. وإذا كان متوقعاً للحوار أن يكون نافذة أمل، فإنّ البعض يرى فيه مجرد تمرير للمرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان في انتظار ما يمكن أن يتبلور من تسويات خارجية دولية وإقليمية تعطيه حيزاً من المعطيات التي تحدّد مصيره.

تركزت أجواء جلسة الحوار الأخيرة على البحث في مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، حسب وسائل الإعلام المحلية. لكنّ الرئيس بري يصحّح ولم يطرح مواصفات معينة حول رئيس الجمهورية، بل حاول أن يحصل من مختلف مكونات الحوار على مقاربتها لمواصفات الرئيس وحصل على ذلك شفهياً، وينتظر منها أوراقاً مطبوعة بذلك.

هذا الكلام يعني أنّ البحث عن رئيس لا يزال في بداية الطريق. وإذا كان الرئيس بري ينتظر مقاربة الفرقاء على مواصفات لرئيس يعرف اللبنانيون أنها مواصفات لا تتوفر سوى في بضعة أسماء أقلّ من عدد أصابع اليد الواحدة، كأسماء مطروحة. وإذا كان رئيس المجلس يُفسح المجال لجلسات الحوار لتحمل متسعاً من الوقت للبتّ بمبادئ يعرف سلفاً أنّ اللبنانيين غير مجمعين عليها، فإنّ ذلك إن دلّ على شيء فهو أنّ بري العارف بما يجري في الجوار جيداً يستثمر الوقت ويهدئ النفوس ويسكّن البلاد بأمل مرتقَب، قد يطول في انتظار وعود ربما قد أُعطيت له، لكنّ أوانها لم يحِن بعد أو أنها ألغيت وذهبت أدراج الرياح.

تشير المعلومات إلى أنّ جلسات الحوار دُعمت من جهات إقليمية ــــ خليجية، لهذا السبب دعا بري إليها وهو يعرف أنّ التعاطي مع الدعوة سيكون إيجابياً. ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحاً التبدّل في مواقف النائب وليد جنبلاط حيال الحراك الشعبي الذي دعمه في بدايته، وإذ به ينضمّ إلى المتحاورين ويهاجم الحراك الذي هاجمه، بدوره. حتى ظهر السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري في إحدى زياراته إلى رئيس الحكومة تمام سلام داعماً الحوار، داعياً إلى حماية الحكومة.

توضحت النيات السعودية، حينها، في المساهمة في إنجاح التوصل إلى حلول عبر الحوار الذي تدخله رسمياً راعية ما اتفق عليه اللبنانيون، خصوصاً في ما يتعلق بالمرشح الرئاسي وقانون الانتخابات، هذا كله قبل أن تتدهور العلاقات السعودية ــــ الإيرانية أكثر فأكثر.

سوء العلاقة هذا كان قد بدأ بالتبدل تدريجياً منذ توقيع الاتفاق النووي الغربي مع طهران، حيث عبرت السعودية عن ترحيبها أخيراً به، إذا كان يجلب الخير للمنطقة، حتى احتدمت حرب اليمن، فتراشق الطرفان التصريحات النارية، بعد تقدّم الحوثيين من جهة، ومقتل عدد كبير من الجنود والضباط الخليجيين من جهة أخرى. أصبحت السعودية أمام عدو مدعوم من إيران التي تحاول التوصل إلى حل سياسي منذ شهر أيار في جنيف. لكنّ الأزمة اليمنية على أهميتها لم تكن الوحيدة، فعلى ما يبدو أصبحت كارثة حجاج منى تشكل عقدة أساسية تؤكد تدهور العلاقات بين إيران وطهران أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما لا يمكن تجاهله أو اعتباره أمراً عادياً، لأنّ إيران تعتبر أنّ على السعودية تحمل مسؤولياتها تجاه الفاجعة، وبالتالي فاقمت هذه الأزمة الأوضاع وأعاقت محاولات التقدم التي بذلتها أطراف دولية وإقليمية مؤخراً، بينها مساعٍ روسية وأوروبية لتقريب وجهات النظر بينهما.

تراجع الأمل بالتقدم في العلاقة السعودية ــــ الإيرانية خطوة إلى الوراء، ما يؤثر سلباً على إمكانية التقدم نحو حلول لأزمات لبنان البعيد أصلاً عن الأولويات السعودية اليوم، عدا عن انشغال المنطقة برمتها بالتدخل العسكري الروسي.

على هذه الحال يعتبر الحوار الذي يجري اليوم بين الفرقاء واقعاً بين وجوب انعقاده ومخاطر فشله وبالتالي فإنّ على الرئيس بري إيجاد مخارج وربما تنازلات من أجل تمرير بعض ما يمكن أن يساهم فيه إيجاباً في بعض الملفات في البلاد، أبرزها ما يشكل أزمة مع العماد ميشال عون للخروج من المأزق الذي وقع فيه الحوار بغتة، وهو الحوار الذي لم يكن يتوقع تدهور العلاقات الإيرانية ــــ السعودية بهذا الشكل.