لم يعرف اللبنانيون تيار المستقبل، منذ عام 2005، إلا بوصفه «وصياً» على فريق 14 آذار، بمختلف مكوناته. كانت هذه المكونات تعود إليه في كل كبيرة وصغيرة، في كل الملفات والإستحقاقات التي تخلت فيها عن مواقفها واستبدلتها بالموقف الحاسم الذي كان الرئيس سعد الحريري يفرضه على الجميع في ربع الساعة الأخير، متى بدا كأن الأمور قد وصلت إلى حائط مسدود.

وحدها تسوية الترقيات الأمنية أظهرت أن «زمن أول تحوّل»، وأن التيار الأزرق، بعد إغلاقه «حنفية» المساعدات التي تحكّم عبرها بغالبية أحزاب 14 آذار وتياراته وشخصياته في السنوات العشر الماضية، وبدا كأنه قد فقد «المَونة» على كل هؤلاء. هذا، على الأقل، ما يؤكّده مستقبليون، ينفون عن تيارهم تهمة توزيع الأدوار في الموقف من تسوية الترقيات عبر إعلان موافقتهم عليها، وإيكال مهمة المشاكسة والرفض الى الرئيس السابق ميشال سليمان ووزير دفاعه سمير مقبل والوزيرين بطرس حرب وميشال فرعون، وحتى الرئيس فؤاد السنيورة.

قبل عام، لم يكُن بالإمكان تخيّل أن لأي من هؤلاء القدرة على عرقلة تسوية مدعومة سياسياً من أغلب الأفرقاء في البلاد، والوقوف في وجه توجهات «الوريث الشرعي» لرفيق الحريري، فكيف يُمكن تفسير«تحدّيهم» اليوم لخيار يسير فيه «زعيم 14 آذار»؟

يغيب الوضوح في موقف المستقبل الذي يؤكّد تبنّيه التسوية الأمنية من ألفها إلى يائها، ملتزماً التعهدات التي قطعها لحلفاء العماد ميشال عون. وتنتج من غياب هذا الوضوح فرضيتان: إما أن تيار المستقبل «يراوغ» في ملف التسوية، وإما أنه أصبح ضعيفاً إلى درجة تسمح حتى لميشال سليمان بالتمرد عليه! مصادر في التيار تؤكد أن الفرضية الثانية «هي الحقيقة التي لا يريد أحد تصديقها. بسبب غياب الحريري وأزمته المالية، فقدنا سلطتنا ليس فقط على فريق 14 آذار، بل على مستقبليين أساسيين في داخله»! وتشير الى أن «المتمردين يملكون الحنكة التي تخوّلهم الإستفادة من الظروف الصعبة التي يمّر بها رئيس تيار المستقبل، على مستوى العلاقة مع الرياض أولاً، وأزمته المالية ثانياً، لاتخاذ مواقف مستقلّة». وفي هذا السياق، تعود المصادر بالذاكرة إلى معارضة عدد من شخصيات المستقبل رئيسهم في كثير من المحطات المهمّة، مثل وقوف هؤلاء في وجه سياسة الإنفتاح على حزب الله ومعارضتهم لحوار عين التينة، وأبرزهم السنيورة الذي لا يتردد، حتى اليوم، في إطلاق سهام التشكيك على هذا الحوار في كل مناسبة». وفي ملف تسوية الترقيات، تقول المصادر إن الوزير أشرف ريفي «خير مثال على هذا التمردّ، وهو الذي لا ينفك يعبّر عن رفضه التسوية برغم تأييد تياره لها».

لكن هذه النظرية، تدحضها آراء آذارية، من خارج تيار المستقبل، تؤكّد أن الحريري، برغم حرصه الدائم على إبلاغ المعنيين أنه لا يمانع في إرضاء عون، «ماض في قرار عدم تسليف الرابية أي مكاسب، في ملف الترقيات العسكرية وغيره، لكنه يخوض معركته بوجوه مسيحية لا سنيّة»، معتمداً أسلوب «إذا صابت صابت، وإذا لا مش خسران شي». وفي رأي المصادر أن هذه «لعبة خطيرة»، فسواء كان ما يحصل توزيع أدوار بين خصوم العماد عون، أو تراجعاً في سيطرة الحريري على حلفائه، فإنه «في الحالتين يضرب صورة تياره، ويؤكّد عدم قدرته على التزام تعهداته من جهة، ويثبت واقعاً جديداً داخل فريق الرابع عشر من آذار، وهو أن تيار المستقبل أصبح سلطة عاجزة بسبب عدم قدرته على ترجمة أي قرار لا يحظى بموافقة أضعف حلفائه».