لا يمكن أن تكون العمليات العسكرية الروسية في سوريا، من دون أهداف سياسية واضحة، يراد من خلال قلب موازين القوى في الميدان فرضها على طاولة حوار تعقد في المستقبل، وبالتالي لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة الأميركية بعيدة عما يحصل فعلياً، والدليل عدم مبادرتها إلى القيام بأي خطوات مضادة فعلياً، بالرغم من إستهداف قوى معارضة مسلحة حليفة لها، بالإضافة إلى إستفزاز ​الحكومة التركية​، العضو في ​حلف شمال الأطلسي​، من خلال "الأخطاء" الروسية المتكررة في الجو، التي يجمع المتابعون على عدم تصديق سيناريو حصولها عن طريق الصدفة فقط.

منذ لحظة توقيع الإتفاق النووي الإيراني، بين الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية، كان من الواضح أن الولايات المتحدة تريد أخذ أبرز الأزمات العالقة في الشرق الأوسط من العَسْكَرة الى الطرق السلمية، بعيداً عن خيار القوّة الذي هددت باستخدامه سابقاً عند إندلاع أزمة الأسلحة الكيميائية السورية، قبل أن تتراجع نتيجة التهديدات الروسية والإيرانية، مقابل الإتفاق مع موسكو على التخلص منها برعاية ​الأمم المتحدة​.

بالنسبة إلى مصادر متابعة لمسار الأحداث منذ البداية، لا يمكن إهمال أن التدخل جاء بعد ساعات من إجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي ​باراك أوباما​، في نيويورك، حيث كانت ​الأزمة السورية​ على رأس جدول أعمالهما، بالإضافة إلى أنه لم يأت إلا بعد إرسال موسكو رسائل تطمينية إلى تل أبيب، عبر إستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ في موسكو، ومن ثم زيارة رئيس الأركان الروسي إلى تل أبيب لمتابعة الأمر نفسه، ما يؤشر إلى الرغبة بعدم إستفزازها، خصوصاً مع استبعاد أن تسمح واشنطن بحصول هكذا أمر.

تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن المطلوب لم يكن توجيه رسائل إلى إسرائيل، فلا موسكو ولا واشنطن ترغبان بالصدام معها تحت أي ظرف، لكن الهدف هو "تهذيب" حلفاء واشنطن الآخرين، أي المملكة العربية السعودية والرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، لدفعهما إلى التراجع عن شروطهما في الملف السوري، خصوصاً أن الأزمة لم يعد ينفع معها الإستمرار بالأوضاع على ما هي عليه، فسقوط البلاد بيد الجماعات المتطرفة أمر لا يمكن السماح بحصوله، وتضيف: "لو لم تبادر موسكو إلى التحرك كانت واشنطن ستطلب منها ذلك".

في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أن السعودية، التي عارضت في البداية توقيع الإتفاق النووي الإيراني، وسعت إلى عرقلته بكافة الوسائل الممكنة، خصوصاً من خلال إشعالها الحرب في اليمن، تواجه اليوم إحتمال خسارة أكبر رهاناتها في السنوات الأخيرة، أي إسقاط الرئيس السوري ​بشار الأسد​، في حين تقف هي عاجزة عن القيام بأي أمر، نظراً إلى فشلها في إعادة هيبتها الإقليمية بسبب عدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع اليمنية، في وقت تخوض فيه مواجهة قاسية مع طهران الساعية إلى كسرها بأي ثمن.

أما على الصعيد التركي، تشير هذه المصادر إلى أن أنقرة سعت إلى بناء منطقة نفوذ لها في الداخل السوري، تحت عنوان المنطقة العازلة أو الآمنة، وبذلت الجهود لتحقيق هذه الغاية، سواء عن طريق تمويل وتسليح المجموعات، أو عن طريق إفتعال أزمة اللاجئين الأخيرة من خلال فتح حدودها أمام الراغبين بالهجرة نحو أوروبا، لكنها تؤكد أنها لم تعد قادرة اليوم على فهم ما يحصل، حيث باتت تتلقى الضربات دون أن يكون لها القدرة على القيام بأي خطوة، فهي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية والإيرانية بالدرجة الأولى، وبالتالي لن يكون بمقدروها المغامرة في علاقاتها معهما، بالإضافة إلى أن ظروفها الداخلية لا تسمح لها بالدخول في مواجهة من هذا الحجم.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، واشنطن تريد الإستفادة من التحولات التي ستحدثها الضربات الجوية الروسية في الميدان السوري، لدفع حلفائها إلى تبديل مواقفهم من التسوية السورية، خصوصاً أنهم لا يجرؤون على الوقوف بوجه الحملة الروسية بصورة مباشرة، في حين هي قادرة على التأكيد بأنها لا ترغب في الدخول في مواجهة مع "الدب" الروسي قد توصل إلى حرب عالمية ثالثة.

وفي حين يراهن البعض على الموقف الأوروبي، تشير المصادر نفسها إلى أن بلدان القارة العجوز دخلت متأخرة على خط الحرب، وبالتالي لا يمكن توقع منها أكثر من الخطابات الإعلامية غير القادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لا سيما أنها تريد قبل غيرها حل الأزمة بسبب التهديدات الإرهابية وتفاقم أزمة اللاجئين.

في الختام، ترى هذه المصادر أن الساحة، في الوقت الراهن، مفتوحة أمام موسكو كي تمهد الميدان عسكرياً، من أجل القطف سياسياً في المرحلة المقبلة، وما تعجز عن القيام به الولايات المتحدة ستقوم به ​روسيا​ بكل ترحيب.