لم تهدأ الجلبة المتصاعدة من نظارة المحكمة العسكرية أمس، حتى أثرت على مسامع هيئة المحكمة والحاضرين في قاعة الجلسات. فقد كان يوم أمس "إكسترا" بسبب تلاقي 90 موقوفاً مدعى عليهم في 58 ملفاً إرهابياً.

الاستجواب الدسم قدمه راعي الماشية حسن حسين رايد الموقوف منذ تموز 2013. هو الوحيد الموقوف بين عناصر ملف وضع عبوات على طريق الهرمل والمصنع وتهريب أسلحة عبر جرد عرسال وإطلاق صواريخ وتشكيل عصابة مسلحة.

سامي الأطرش قتل خلال مداهمة للجيش، فيما يتوارى كل من عمر أحمد الأطرس وزهير أمون والسوري رائد الجوري وأحمد حميد. بساطة هيئته وصوته المنخفض ونطقه المتلعثم تمنح انطباعاً مختلفاً عن سجله الإرهابي. لكن وما إن بدأ بالكلام، حتى بانت الثقة بالنفس. بابتسامة عريضة، أكد رايد أنه يكرر إفادته الأولية التي أدلى بها إثر توقيفه لدى استخبارات الجيش. كرر رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم السؤال، فأصر على إجابته. ابن عرسال قال إن العرسالي أمون وعمر الأطرش استعانا به في عمليات عدة. والسبب: "كنت أتاجر بالسلاح معهما". عمر طلب منه مراقبة طريق الهرمل وحركة مرور شاحنات المازوت المهربة ومواكب لحزب الله. في إحدى المرات، تلقى رايد اتصالاً من عمر الذي سأله عن الوضع في الهرمل. أجابه: "يطلقون صواريخ على الهرمل". ضحك عمر وقال: "أنا اللي ضربتن". بالتزامن مع تنفيذ مهمته، أقر رايد بأن "الأطرش ومعه أبو بكر وأبو عائشة وأبو حمزة وأبو النور قتلوا الشبان الأربعة من آل أمهز وآل جعفر". بعد الحادثة بشهرين، حضر عمر إليه واصطحبه معه إلى جوسيه السورية، برفقة أمون وسامي الأطرش و5 لبنانيين. والهدف تهريب أسلحة للمسلحين على ظهور الخيول لقاء بدل 200 دولار "للنقلة" الواحدة. نقَل أسلحة ثلاث مرات، كان يوصل الأمانة إلى جوسيه حيث يتسلمها منه شخص من القصير. تطورت المهمات التي طلبت من رايد إلى زرع عبوات في الهرمل. على بعد 200 متر من حاجز الجيش عند مدخل الهرمل، انتقل رايد بدراجته وزرع عبوتين أحضرهما له عمر وأمون على دراجة نارية. جهاز هاتفه النقال استخدم لتفجير العبوتين عن بعد. عند معاينة مكان التفجيرين، عثر الجيش على الجهاز وأجرى مسحاً عليه ليكتشف أنه يعود لرايد. أمون أبلغه بالأمر وبأنه بات مطلوباً، قبل أن يتم توقيفه على حاجز للجيش في عرسال لعدم حيازته أوراقاً ثبوتية وبعدما عرف عن نفسه بأن اسمه محمود حسين رايد. بين الشبهة والتوقيف، لم يضيّع رايد الوقت. اصطحبه أمون إلى صهره سامي الأطرش ليخفيه عن الأنظار مؤقتاً. الأخير أخذه إلى الجوري في القلمون بسيارة تعود لعمر كانت مليئة بالسلاح. في القلمون، تسلم عمر من الجوري سيارة ثانية من نوع اكس 5 بلوحة سعودية، كانت معدة للتفجير عند حاجز الجيش في يونين. رايد بدأ التحضير مع عمر لتفخيخ سيارات على طريق المصنع وتبلغ منه نيته لإطلاق النار على كنيسة القاع. لزوم عملية المصنع، شاهد فاناً من نوع مرسيدس يحمل لوحة سعودية وسيارة مرسيدس (سورية مسروقة) مركونتين أمام منزل سامي الأطرش في عرسال. استفاض رايد في استعراض دوره، حتى اكتفى ابراهيم من استجوابه وحدد جلسة للمرافعة في 26 شباط المقبل.

نجم الجلسات كان خالد حبلص الذي مثل للمرة الثالثة. في المرتين السابقتين، مثل كعنصر في القضية. لكن مثوله أمس كان بسبب ملفه الأساسي، أحداث بحنين وطرابلس التي كان سيستجوب فيها هو والمدعى عليهم، للمرة الأولى. لكن عدم حضور جميع المدعى عليهم الـ 41، منهم المتواري شادي المولوي، استدعى تأجيل الجلسة إلى 12 كانون الثاني المقبل. لحبلص سبب في التأجيل. تحتاج المحكمة إلى تصويب الادعاء أي اعتماد اسمه الحقيقي في الملف، خالد مصطفى محمد وليس خالد حبلص، علماً بأنه بدأ يستعيد شكله المعروف قبل عمليات التجميل التي غيرت ملامحه. للمرة الثالثة، ارتدى عباءته البيضاء وأرخى لحيته التي كساها الشيب. تعليقاً على تمييز رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم بين "خالد الحقيقي" و"خالد المتجمّل"، قال حبلص: "الشخصية الأولى والثانية". حبلص سرق الاهتمام إلا من صديقه إبراهيم بركات أحد قياديي داعش، الذي وقف بجانبه في قفص الاتهام. وكلاء الدفاع عن الموقوفين طلبوا من إبراهيم تجزئة الملف إلى جزءين: أحداث طرابلس وأحداث بحنين.

ملف آخر في إطار أحداث بحنين وطرابلس، أحضِرَت إلى المحكمة بسببه إحدى مجموعات أحمد سليم الميقاتي (أبو الهدى). لكن عقد الجلسة لم يكتمل أيضاً بسبب تواري عدد من المدعى عليهم؛ منهم أيمن مستو ومحمود المير وشاهين سليمان من جماعة أحمد الأسير.

طيف الميقاتي الموقوف في سجن رومية، حام في العسكرية فوق أحد عناصر مجموعاته، محمد الحمصي المتهم بالسعي إلى احتلال بلدات في الضنية وتحريض عسكريين على الانشقاق. "السنكري" ابن طرابلس سلم نفسه إلى فرع المعلومات. لكن غالي حدارة (ظهر في شريط فضل شاكر الشهير الذي تحدّث فيه عن شهداء الجيش ووصفهم بـ"الفطائس") هو من قاده إلى ذلك الدرب. اصطحبه إلى شقته في عاصون في الضنية ليقوم بتصليحات في المجاري الصحية. بحجة "الصحية"، دعاه حدارة إلى "الانضمام إلى مجموعة حرس في المنطقة لمواجهة تقدم حزب الله". ثم دعاه للمشاركة في التحضيرات التي تجريها مجموعة الميقاتي للقيام بعمل أمني في الضنية. وما هي إلا أيام حتى نفذ الجيش مداهمات في عاصون. ابراهيم علق استجواب الحمصي لاستدعاء الموقوف حدارة وإجراء مواجهة بينهما، محدداً جلسة في 11 كانون الثاني المقبل.

ضحايا الرافعي

المتهم يوسف الحلاق قال إنه استدان أموالاً ليغادر بحراً إلى تركيا وينتقل منها إلى معسكرات داعش في سوريا والعراق بهدف القتال والقيام بعملية انتحارية. الشاب قصير القامة وطويل الشعر، نشأ في المنية، وكان يتردد إلى مسجد التقوى في طرابلس المجاور لمكان عمله. هناك بدأ يتأثر بخطب الشيخ سالم الرافعي عن "مظلومية الطائفة السنية"، ودعوته للجهاد في سوريا. استجاب الحلاق وذهب إلى سوريا بعدما عبأه الشيخ نبيل سكافي في مسجد التقوى الذي كان يعطيه مع مجموعة من أقرانه دروساً دينية. الشيخ أحمد الدهيبي لعب الدور الأبرز في تحريضه على الانضمام إلى داعش. أعطاه رقم شاب يتصل به عندما يصل إلى تركيا ويقول له: "أنا من قبل أبو الفضل الشامي". نقل إلى المضافة في أورفا التركية، ثم إلى تل أبيض السورية، حيث كان هناك شاب سعودي بانتظاره. صودر جواز سفره ونُقل إلى معسكر تدريب في حقل شاعر لينضم إلى إحدى كتائب "داعش". بعدها نُقل الى الحسكة ثم محافظة بيجي في العراق. الرحلة الطويلة حركت آلام فخذه القديمة. المسعفون "أساؤوا معاملتي عندما عرفوا أني لبناني". وافق أمير كتيبته على عودته إلى لبنان بعد تدهور حالته. أقر بأنه تذرّع بآلام فخذه ليعود نادماً بعدما اكتشف أن داعش "يقتلون بعضهم بعضاً". لكن الحادثة التي أثرت به، إقدام الأمير على إعدام أحد مقاتليه بعد إصابته إصابة بليغة في قصف على المعسكر، بحجة أنه يريد إراحته من آلامه.

الرافعي نفسه عرض على أحمد دنش تعويضاً عن دراجته التي احترقت في تفجير مسجد التقوى، بندقية. الموقوف في أحداث التبانة وجبل محسن قال إن أبو حذيفة من قبل الرافعي سلمه البندقية، ناقلاً عنه: "ما في مال، في سلاح".