صدقت التوقعات والتحليلات لبعض المراقبين والمتابعين لقضايا المنطقة بشكل عام و​روسيا​ بشكل خاص، اذ شددوا على انه لن يكون هناك من اخبار عن تقدم او سيطرة لـ"داعش" واخواتها في الارهاب، في مناطق سورية جديدة من الآن فصاعداً.

وبالفعل، منذ التدخل العسكري الروسي المباشر والعلني في سوريا، لم تحمل الانباء اي خبر عن عمليات لـ"داعش" نجحت فيها في التقدم الى محاور جديدة والسيطرة على مناطق او مدن سورية لم تكن في قبضتها. الحقيقة ان "داعش" واخواتها في الارهاب لم يعدن حتى في موقف الدفاع عن مناطق نفوذهن في سوريا، بل الاصح هو انهن في حال ترقب وقلق لما اسفر عنه التدخل الروسي.

من هنا، لا يحتاج المرء الى الكثير من التحليل ليدرك ان "داعش" واخواتها في الارهاب يعشن حالياً في سوريا اوضاعاً صعبة نتيجة الضربات الجوية القاسية التي تنفذها روسيا عبر طائراتها وصواريخها العابرة للقارات، وفي المقابل، يعيش اعضاء التحالف الدولي ضد الارهاب فترة اكثر حراجة بسبب قيام روسيا بما لم يقم به هذا التحالف لاكثر من عام.

لقد كشف التدخل العسكري الروسي زيف ادعاءات "داعش" انها قادرة على السيطرة على مناطق واسعة بغض النظر عمن يحاربها، وما كانت تتبجح وتتفاخر به في مواجهة التدخل العسكري الجوي للتحالف ضد الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، تحوّل الى ضربات مؤلمة ادّت غايتها وتركت حالة من الضياع والبلبلة في صفوف الارهابيين ومنظمات عدة منضوية تحت لوائها، ولكنه كشف ايضاً ان الجيوش التي تحاربها اعطتها، عبر فشلها في التعامل معها، حجماً اكبر منها بكثير ليأتي الروس ويثبتوا انها مجرد مارد من ورق، وانه لو كانت الضربات الدولية بجدية الضربات الروسية لما تقدمت "داعش" خطوة واحدة في ​العراق​ او سوريا.

ومنذ 30 ايلول الفائت، تاريخ بدء التدخل الروسي المباشر في ​الحرب السورية​، تبين ان ما قام به الطيران الروسي والصواريخ الروسية الموجهة اكثر فاعلية من غارات التحالف الدولي ضد الارهاب المستمر منذ اكثر من عام دون جدوى تذكر. ولا شك ان التحالف الدولي سيشعر بالاحراج بسبب نجاح الضربات الجوية لروسيا، ولو ان التدخل البري ليس في حسابات موسكو، بل تركته للجيش السوري و"حزب الله"...

ان الوجود الروسي عسكرياً في سوريا له رمزيته ومعانيه، ولو انه ليس برياً، لكنه يحظى بدعم غربي واميركي بشكل خاص لان الروس ابدوا الاستعداد للزحف نحو سوريا، فيما التحالف اكتفى بالضربات البعيدة غير المركزة التي لم تقوّض او حتى تزعج المُسْتَهدفين.

والتنسيق بين القوات الجوية الروسية والقوات البرية للرئيس السوري ​بشار الأسد​، اتى ثماره وبدأ الجميع قطفها، حيث برز كلام عن استعادة ​الجيش السوري​ لمناطق وقرى قيل انها استراتيجية، للمرة الاولى منذ زمن. اما مصطلح "الحرب المقدسة" التي نالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الكنيسة الارثوذكسية، فلم يكن حجم تأثيرها كما توقع الآخرون، اذ اعتبروا ان "انتفاضة" اسلامية ستطرأ مستندين الى ما حصل مع الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن حين تحدث عن "حرب صليبية" في العراق، لكن الامر لم يحصل، اقلّه حالياً.

حتى ان استعمال هذا المصطلح، اوحى وكأن روسيا ستأخذ دور ​فرنسا​ في ​لبنان​ في هذا المجال، وهي التي تدخّلت سابقاً من اجل دعم المسيحيين في حينه.

ولم تفوّت موسكو الفرصة للقيام ببعض "عرض عضلات" لاسلحتها من جهة، ولرغبتها في التشديد على ان جرأتها المتمثلة بالتدخل العسكري في سوريا، ليس "ضرباً من الجنون" كما يحلو للبعض ان يقول عنه، بل رسالة واضحة مفادها انه عندما يتلكأ الجميع عن المساعدة، يظهر بوتين على انه الحل المنشود للازمات.

قد يكون من المبكر وضع بيان يشرح مدى نجاح التدخل او فشله، ولكن وصف بوتين للعملية العسكرية الروسية حتى الامس بأنه "جيد"، يعني انه راض عن الاهداف التي حققتها الحملة، وفي مقدمها وقف تحقيق انتصارات لـ"داعش"، وتحطيم معنوياتها، والايحاء بأنه عند الحاجة، يمكن الاعتماد على روسيا للتدخل لمساعدة حلفائها اينما كانوا، وهو امر كان محصوراً فقط بالاميركيين.