إنها حرب الآخرين على أرض سورية، حيث يتنازع العالم على حجز مكانة تضمن لكلّ دولة نفوذاً استراتيجياً في المنطقة، نظراً إلى الامتداد الجغرافي لسورية في منطقة استراتيجية هامة، بالإضافة إلى النفط والغاز اللذين اكتُشفا حديثاً على شواطئ المتوسط.

الأسباب عديدة والأزمات شديدة الحساسية والأسواق الدولية المنهارة لوحظ هدوؤها بمجرد اندلاع أحداث ما سُمّي «الربيع العربي»، وكأنها كانت كفيلة بفتح أسواق بيع السلاح والنفط وبالتالي انتشال العالم من أزمته.

تعيش سورية حرباً كالحرب الأهلية اللبنانية التي دامت أكثر من 15 عاماً، وقد شاركت فيها كلّ الطوائف والإثنيات والجنسيات، فكانت حرب الآخرين على أرض لبنان، لكنها انتهت بانتشار الجيش السوري، بموافقة لبنانية وعربية ودولية، وذلك بحسب اتفاق الطائف.

المشهد نفسه يتكرّر في سورية، رغم اختلاف الظروف والأهداف، فكلّ الجنسيات حاربت فيها وجاءها الإرهابيون من كلّ أصقاع الأرض.

واليوم، طرح التدخل الروسي في سورية تساؤلات عديدة أهمّها ما يتعلق بالشرعية، وخصوصاً أنّ الحلف الأميركي العربي يدّعي التشكيك في شرعية الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي فإذا كانت روسيا تتمسك بالطلب السوري بالتدخل، فإنّ هذا لا يعني أنّ دخولها كان شرعياً إلا من جهتها، وبالتالي فإذا كانت روسيا قد تحلت بهذه الشجاعة وتغاضت عن المواقف الدولية من الرئيس الأسد، فإنّ هذا يدلّ على تبدّل كبير يصل إلى حدّ شبه الإذعان للرغبة الروسية المبنية على قناعة غربية تشكلت مؤخراً واستطاعت روسيا تلقفها، وهي القناعة باستحالة تجاهل الأسد كقوة شرعية وحيدة، وهذا ما أكد عليه الشهر الماضي من طهران وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، حيث قال «إنّ على المجتمع الدولي الاعتراف بأنّ الأسد هو القوة الشرعية الوحيدة شئنا أم أبينا»، وكان هذا الكلام مقدمة لتبدّل المواقف الغربية التي انتهزتها روسيا للدخول في توقيت مناسب لكنه مباغت أيضاً، وهو ما لم يكن متوقعاً منذ بداية الأزمة السورية، فكيف وهي تحطّ رحالها عند أبواب الحلول السياسية؟

السؤال المطروح هنا ما هو مدى الشبه بين التدخل الروسي في سورية والتدخل السوري في لبنان بالمنظار الأميركي، وبالتالي ألا يطرح هذا تساؤلات مفادها هل تمّ تقسيم المنطقة وإسناد المصير السوري إلى الروس تماماً كما حصل مع لبنان عبر التدخل السوري؟

يؤكد مصدر قيادي في 8 آذار «أنّ التدخل الروسي في سورية لم يكن ليتمّ من دون علم الأميركيين وقبولهم به، لكن مع فارق أنّ القبول هنا ليس قراراً إنما قبول ناتج عن عجز أمام الخيارات بعدما أصبح الاميركي غير قادر على الرفض لفقدانه الحيلة، فالتأهّب الذي أفردته الولايات المتحدة لإسقاط الأسد طيلة خمس سنوات متتالية لم ينجح، وبالتالي فإنّ قبول الاميركيين اليوم ليس من باب المشرف أو المنسّق إنما من باب من يقتسم الأدوار في بقعة من الأرض عرف أنه فشل فيها».

لبنان الذي عاش حقبة شبيهة لهذه التي تعيشها سورية اليوم وعلى وقع التهليل والترحيب بالدخول السوري يرحب السوريون بالدخول الروسي، لكن لبنان الذي فرض عليه التدخل السوري بحسابات عربية ودولية كان الأميركي فيها حاضراً ومرحباً، فسورية التي بقيت في لبنان لفترة طويلة لم تكن لتبقى لولا حصولها على الشرعية، وأبرزها قرار جامعة الدول العربية، فدخلت كمنقذ للأوضاع فيه قبل الانهيار، إلا انّ الخروج السوري من لبنان العام 2005 قد يشرح أكثر نسبة التدخل الغربي في دخوله لأنّ خروج سورية من لبنان لم يكن ليتمّ لولا القرار المؤامرة بالنسبة اليها وهو 1559 الذي استهدفها واستهدف معها المقاومة، وهو الذي لم يكن ليصدر إلا بقرار أميركي بشنّ حرب سياسية وعسكرية على سورية منذ ذلك الحين.

بالتأكيد يحضر الأميركي، وقد حضر في التدخل الخارجي في لبنان، واليوم في سورية، لكن مع فوارق تبدّل واقعه وتحوّله من مقرّر إلى مفاوض يعرف من باب العلم والخبر ما فرضته عليه ظروف لم يعد قادراً على لملمتها وحسمها إلى جانبه، ليبقى تدخله اليوم بالخطوة الروسية يلامس العدم، لكن هذا بدوره يطرح ما هو أكبر من مسألة تدخل في الحرب السورية إذا ما تمّ اعتبار انّ التدخل جاء بمعرفة الأميركيين، وهو «هل التدخل العسكري الروسي في سورية ليس سوى ترجمة لتقسيم النفوذ في المنطقة؟ أي ترجمة اتفاق ضمني تمّ بين الروس والأميركيين مفاده اقتسام المنطقة نفوذاً وسياسة بين موسكو وواشنطن أخذت روسيا حصتها سورية فيه، كما كان قد حصل سابقاً بعدما تدخلت سورية في لبنان وأخذته حصة لها؟ هل فعلاً تمّت التسويات ولم يعلن عنها حتى الساعة، فدخلت روسيا من بوابة مكافحة الإرهاب مؤكدة التسوية، ما يشير الى بقاء روسي طويل الأمد في سورية…