إرحموا بيروت...

هذا الكلام ليس موجَّهاً إلى طرفٍ واحد من دون الأطراف الأخرى، بل هو موجَّهٌ للجميع من دون إستثناء:

إلى مجلس النواب وإلى الحكومة وإلى الحراك المدني وإلى الأحزاب والتيارات.

إرحموا بيروت...

بيروت التي أعطتكم الكثير وتحمّلت عنكم الكثير، وأحياناً تحمّلتكم، ماذا تريدون أن تفعلوا بها أكثر؟

تحمّلت حروبكم.

تحمّلت شعاراتكم.

تحمّلت مظاهراتكم واعتصاماتكم.

تحمّلت نفاياتكم.

فماذا تريدونها أن تتحمَّل أكثر أو أن تتحمَّل بعد؟

ماذا بعد؟

مجلس نواب مُقصِّر. حكومة قاصرة. وحِراك ليس عنده قيمة للوقت، ثلاثيٌّ يعمل، من حيث يدري أو لا يدري، ضد مصلحة الناس. فالمجلس النيابي يبدو كأنه استقال من دوره فاختزل نفسه بطاولة حوار، ومجلس الوزراء اختزل نفسه فقال إنه سيعقد جلسة واحدة يتيمة لإقرار ما تمَّ التوافق عليه في موضوع النفايات، وكأنَّ هذا الشعب لا يستحق أكثر من بند النفايات. والحِراك حمَّل نفسه كل الملفات مجتمعةً:

من النفايات، إلى الكهرباء، إلى الجمارك، إلى المياه، إلى القضاء، إلى الدوائر العقارية، فغرِق فيها بدل أن ينتشل الناس منها.

حيال هذا العجز المثلث، نيابياً وحكومياً وحِراكياً، ماذا يمكن لهذا الشعب أن يفعل؟

في منطق الأمور، يُفتَرَض بالشعب أن يطالب مجلس النواب لأنه هو الذي انتخبه، كما يُفتَرض فيه أن يطالب الحكومة لأنها نالت ثقة المجلس، لكن هذه الآلية تحصل في الدول المتقدِّمة التي تحترم خيارات شعوبها، أما في لبنان الذي لا ينتمي إلى الدول المتقدِّمة إلا بمبادرته الفردية ومؤسساته الخاصة وإبداع أبنائه، فإنه لا يعرف من يحكمه؟

وكيف يحكمه؟

شعبٌ من دون رئيس للجمهورية منذ خمسمئة يوم. من دون حكومة فاعلة، منذ تشكيلها، ومن دون مجلس نواب منتج، منذ انتخابه ومنذ التمديد له مرتين. ومن دون إدارات نزيهة في العمل والإنتاجية، فإلى متى هذا الإنهيار؟

هناك نظرية مضحكة مبكية إلى درجة السخرية، فالبعض يقول:

لندع الأمور تصل إلى حافة الهاوية، ولنرَ إلى أين يمكن أن تصل.

فات هؤلاء العباقرة أننا لسنا على حافة الهاوية بل نحن في الهاوية، وكما كان يقول أحد الأدباء اللبنانيين:

لم يعُد تحتنا تحت، فعن أي حافة هاوية يتكلمون؟

ألم يُدرِك هؤلاء بعد أننا نعيش في بلدٍ لا مرجعية فيه وأنَّ الملق فالت وأنَّ الأمور متروكة على غاربها؟

تجوَّلوا في بيروت، تجوَّلوا في أسواقها وفي الأسواق خارجها، فماذا ترون غير الإقفال القسري والإقفال الطوعي؟

مجدداً، إرحموا بيروت.