في 23/5/1974 وفي حمأة التفاوض من أجل فصل القوات بين الرئيس الراحل حافظ الأسد ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هنري كيسنجر، سأل الرئيس حافظ الأسد لماذا يريد الإسرائيليون كل هذا العدد الضخم من مراقبي الأمم المتحدة وهم لا يقبلون أن ينسحبوا من أرض ليست لهم، أجاب هنري كيسنجر:

"نفسياً من الصعب جداً على العسكريين الإسرائيليين أن يقال لهم ارجعوا إلى الوراء أو انسحبوا فهم لم ينسحبوا مرة واحدة من أرض تقدموا فيها. وهنا أنتم تقولون أنه لا يحق لهم أن يكونوا في هذه الأرض في المقام الأول فهذه ليست أرضهم ولكن الإسرائيليين أنفسهم لا ينظرون للأمر هذه النظرة. ولدي انطباع هو أن نظرتهم هي أشبه بما كان عند الأمريكان تجاه الهنود الحمر في أوائل عهد الإستيطان في أمريكا. كانت النظرة عند الأمريكان في أوائل عهد الإستيطان في أمريكا بأنه هناك أراض غير مستثمرة ويجب أن نستثمرها وهناك غابات يجب أن نستوطنها وهكذا... وانطباعي أنا هو أن الإسرائيليين لديهم هذا النوع من العقلية واعتمادهم الكّلي هو على القوة العسكرية كما كان الأمر عند الأمريكان الأوائل."

ألا يستحق هذا الإنطباع الذي عبّر عنه كيسنجر إعادة قراءة تاريخ الصراع العربي-الاسرائيلي وتوصيف الولايات المتحدة بعد حرب تشرين بأنها يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في حل الصراع العربي-الاسرائيلي واستعادة الحقوق العربية؟. أولا يتوجب علينا بعد أن شهد شاهد من أهله أن نعيد تفسير هدم المنازل واقتلاع أشجار الزيتون وهدم المقدسات وتهجير السكان الأصليين وسرقة المأكولات والأزياء والثقافة وتسجيلها على أنها اسرائيلية؟ أولا يتوجب علينا فهم التسهيلات التي تقدمها الدول الغربية من استراليا إلى كندا وفرنسا وألمانيا والسويد للاجئين الذين يحملون هوية فلسطينية وإعطاؤهم بطاقة إقامة والتي تعني أنه يحقّ لك أن تجول في أي بلد في العالم ولكن لا يحق لك أبداً العودة إلى بلدك الأصلي، في محاولة مستمرة وممنهجة لإلغاء حق العودة والذي هو درّة حقوق شعب فلسطين. ومتابعة لذلك أولا يتوجب علينا أن نعيد فعلاً قراءة أحداث ما أسموه هم "بالربيع العربي" والذي هو أشرس محاولة لتفتيت بلداننا وطمس هويتنا وآثارنا وتحويلنا إلى لاجئين ونازحين ومتسولين على أبواب الغرب بينما هم يدمرون البنى التحتية في البلدان العربية ويغتالون الكفاءات ويعطلون حركة التقدّم والنموّ بينما يعملون على دراسة الآثار التي سرقوها من سورية والعراق ويعيدون قراءتها وكتابة تاريخها كي يعيدوا إظهارها بعد عقود ليقولوا للعالم نحن الأبناء الأصليون لهذه المنطقة وهذه هي حضارتنا وتاريخنا بينما العرب كانوا طارئين هنا. هذا السيناريويشبه تماماً ما قام به المستوطنون الأمريكيون على مدى مئتي عام حيث دمروا بشكل ممنهج حضارة شعوب أصلية وكانت حضارة راقية وروحية ومجتمعية وإنسانية بامتياز. فماذا يعرف العالم اليوم عن الهنود الحمر أو حضارة الأنكا أو الأبورجينز؟. أولا يتوجب على جميع العرب بعد كل هذه المؤشرات والدلائل القاطعة أن يضعوا كلّ خلاف وكل تفصيل صغير جانباً ويركزوا على الأولوية الأولى ألا وهي توحيد كلمتهم والوقوف صفاً واحداً في وجه الإرهاب والإحتلال والصهيونية وعملائهم وأعوانهم من الناطقين بالعربية والذين هم جميعاً أوجه متعددة لتيار واحد عنوانه الحقد على العرب ومحاولة إبادتهم. والإبادة لا تعني بالضرورة ألا يبقى أحد منهم ولكنها تعني تدمير كل الأسس والمؤسسات والعوامل التي تشكّل حضارة شعب وبنية أمة أو دولة. مواجهة هذا المخطط الخطير جداً على وجود الأمة يتطلب أول ما يتطلب المحبّة الصادقة بين أبنائها والعمل كجسد واحد وفريق واحد ورفض محاولات التفتيت وشراء الذمم. كلّ هذا لم يعد ترفاً بل ضرورة إذا اردنا أن نحقق نبوءة نزار قباني وثقته بنا حين قال:

لن تجعلوا من شعبنا

شعب هنود حمر

فنحن باقون هنا

في هذه الأرض التي تلبس في معصمها

إسوارة من زهر..

فهذه بلادنا

فيها وجدنا منذ فجر العمر

فيها لعبنا وعشقنا وكتبنا الشعر..

باقون في آذارها

باقون في نيسانها

باقون كالحفر على صلبانها

باقون في نبيها الكريم، في قرآنها

وفي الوصايا العشر.