صحيح أنّ الصاروخ الأول الذي أطلقته طائرات «السوخوي» الروسية على أهداف تابعة لـ»داعش» في سوريا وقع يوم الثلاثين من أيلول الماضي، إلّا أنّ دراسة العقل الروسي البارد لـ»داعش» سبقت ذلك التاريخ بكثير.من بين أدوات الدراسة بشقّها النظري، يُعتبر كتاب «المذكرة الاستراتيجية» لمؤلّفه عبد الله بن محمد (على الأغلب اسم حركي وهمي) المنشور قبل ظهور «داعش» بثلاث سنوات، من أوائل الكتب المترجمة إلى الروسيّة، وواحداً من أكثر المراجع التي تستشهد بفصوله وببعض ما جاء فيه شخصيةٌ روسية على مسامع جالسيها من مسؤولين وشخصيات سورية ولبنانية على تماس بالملف السوري وتشعّباته العسكرية والأمنية والإعلامية.

في الجلسة الدورية الأخيرة التي جمَعَت الشخصية الروسية مع أصدقائها، حاولَ الحاضرون التقاط ذبذبات لقاءات وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في موسكو واستقباله والوفد المرافق من الرئيس فلاديمير بوتين. إلّا أنّ المضيف الروسي تهرّبَ بديبلوماسية محترفة من الأسئلة، المباشرة منها وغير المباشرة، خصوصاً من السؤال عن العلاقة الروسية - السعودية الملتبسة لدى الكثير من المراقبين، مكتفياً بنصيحة جالسيه بقراءة فصل «إستراتيجية التحرّك في نظرية الذراعين» في كتابه المفضّل «المذكرة الإستراتيجية».

فماذا في هذا الفصل؟ وعن أيّ ذراعين تتحدّث «داعش»؟

يستهلّ الكاتب الفصل المذكور بالقول: «الإستراتيجية العامة للتحرّك تعتمد على حشد وتركيز الطاقات الجهادية في منطقتي المشروع، الشام واليمن، مع تحويل بقيّة الجهات إلى مراكز دعم وإمداد بشري وفنّي لمنطقتي المشروع...، وقد جعلت العمل في المشروع في منطقتين بدلاً من واحدة لكي تتضاعف فرَص النجاح من جهة ولكي تعمل الجبهتان والمنطقتان كذراعين تغطي كلّ واحدة منهما الأخرى وتمنع من تركيز أيّ مجهود عسكري يستهدف أيّ جبهة لوحدها، وهذا وفقاً لمسرح العمليات الممتد من الشام إلى اليمن، فيمكن القول إذاً إنّ نجاح منطقة الشام يعتمد على الضغط الذي تُحقّقه منطقة اليمن ضد قوات العدو، والعكس صحيح».

إلّا أنّ الشخصية الروسية التي تهرّبَت من الإجابة عن سؤال جالسيها عن العلاقة الروسية - السعودية وما يحدث خلف كواليس اللقاءات المُتكرّرة في الآونة الأخيرة، أشارت إلى أنّ كلّ ما تمكّنت قوات التحالف السعودي في اليمن من إنجازه عبر الغارات الجوّية استثمره «داعش» على الأرض بسيطرته على أجزاء واسعة من اليمن.

وأضافت: «داعش في طريقه إلى «مكة» حيث يمكنه تتويج دولته المزعومة، وكلّ التعاطف الذي يتلقّاه التنظيم المنشقّ عن «القاعدة» من بعض الشخصيات الخليجية لن يمنعه من التمدّد وصولاً إلى قلب الهدف في «مكة» المكان الوحيد الصالح كعاصمة لدولته حسب أدبيّاته، وذلك بعد الانتهاء من مرحلة «القتال» والوصول إلى «التمكين».

وعليه يبدو أنّ القاعدة بصورتها «داعش» التي جعلت من اليمن وسوريا ذراعين في معركتها لبناء مشروعها، ستُجبر جميع الأطراف، بمَن فيهم المتخاصمون، على اللقاء سواء مباشرةً أو عبر الوسيط الذي تنطبق مواصفاته التامة على بوتين. وقد يبدو هذا الأمر صعباً اليوم، كما يقول قطب في «8 آذار»، إلّا أنّه ليس بالمستحيل، «خصوصاً مع اللقاءات التي تُعقد خلف ستار الحرب بين مسؤولين سعوديين والحوثيين في العاصمة مسقط».

وعليه يبدو أنّ «داعش» اختار في أدبيّاته ومنذ ما قبل النشأة سوريا واليمن ذراعَي مشروعه. ولأنّ «المصيبة تجمع» كما يقول المثل، فهناك فرصة جدّية للتسوية السياسية في الملفّين السوري واليمني من بوّابة مكافحة الإرهاب بدمغة روسية.

فهل ستشهد الأيام المقبلة على تحالف بين المحورين المتخاصمين بجسر تلاقي روسي يضرب الإرهاب ويقطع ذراعي «داعش» في سوريا واليمن؟

سؤال تلامس الإجابة عنه بنعم خجولة إلّا إذا استطاع «رجل المعجزات» فلاديمير بوتين، كما سمّاه الوزير السوري وليد المعلم، تشكيلَ التحالف المعجزة.

إلّا أنّ الأكيد أنّ ما سيُرسَم لليمن سينفَّذ لسوريا، حسب أحد المصادر الديبلوماسية والذي يذهب الى حدّ القول: «تقسيم اليمن يعني حتماً تقسيماً لسوريا، ووحدة اليمن واجتثاث «داعش» منه سيقابله عملية استئصال لـ»داعش» ليس من حلب بل من الرقّة وكلّ سوريا».

أمّا الغلوّ في الحرب اليمنية فسيزيد من استثمار «داعش» للحرب وتمدّدِه على الأرض، وعندها قد يتحوّل التقدّم للجيش السوري وحلفائه على الأرض عبئاً مضافاً على الساحة اليمنية التي ستتعزّز كذراع بديل للقاعدة عن الذراع المشلول في سوريا بطائرات «السوخوي». وعليه يبدو أننا على مشارف حقبة جديدة تحت عنوان: «اليمن وسوريا وحدة المسار والمصير».