نجح "تيار المستقبل"، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في إسقاط التسوية السياسية مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، التي كانت ستؤدي إلى تأجيل إنفجار الخلاف بين الجانبين بعض الوقت، من خلال عدم إستفزازه في ما يعتبره حقوقًا مشروعة، لا يمكن التنازل عنها بأيّ شكلٍ من الأشكال، لكنّ التيّار الأزرق لم يدرك أن الإنتصار في معركة لا يعني الإنتصار في الحرب، وبالتالي عليه إنتظار ردّة فعل "الجنرال" الذي ليس لديه ما يخسره على الصعيد العملي.

سيناريو إسقاط التسوية الشهيرة، عبر استعمال رئيس الجمهورية السابق ​ميشال سليمان​ ووضعه في الواجهة، لم يقنع أيًّا من الأفرقاء المحليين، فالجميع يعلم أن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ كان قادرًا على إنهاء هذه العقدة عبر إتصال هاتفي، كما أن الحديث عن لعب رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة دورًا سلبيًّا في هذا الملف يسيء إلى الحريري لا يعطيه المبررات، خصوصًا أنه يظهره بموقع العاجز عن ضبط الأوضاع داخل تياره، وبالتالي هو يتحمل المسؤولية أولاً وأخيرًا.

من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، سيدفع "المستقبل"، في المرحلة المقبلة، ثمن ما حصل مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" غاليًا، إلا إذا تبدّلت الأوضاع في الساعات القليلة المقبلة، حيث أضاع فرصة كان من الممكن أن تشكل بارقة أمل على صعيد حل الأزمة اللبنانية، لكنه لم يستطع الخروج من لعبة الرهانات الخاسرة على حصول تغييرات كبرى على مستوى المنطقة بالرغم من كل ما يجري عمليًّا.

تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الأوضاع اليوم لم تعد كما كانت عليه قبل أشهر قليلة، حيث دخلت ​روسيا​ بكل قوتها على المشهد الإقليمي، محددة أهدافها بحماية الدولة السورية ومنع إسقاطها مهما كان الثمن، بعد أن نجحت الفصائل والكتائب المعارضة بتحقيق بعض الإنتصارات الميدانية، وبالتالي لم يعد من الممكن الرهان على تبدل الأوضاع مهما كانت الخيارات، لأن الحدّ الأدنى من النتائج المتوقعة هو الإستمرار بالواقع الراهن، ما يعني أن المحور المقابل لن ينجح في تحقيق أي خرق يعوّل عليه.

من هذا المنطلق، تعتبر المصادر نفسها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بغض النظر عن كل السيناريوهات التي يتم الحديث فيها عن تنسيق مع الجانب الأميركي من عدمه، سجّل خطوة متقدمة على صعيد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، من خلال حجز موقع لبلاده تستطيع عبره فرض نفسها رقمًا صعبًا في أي تسويات مستقبلية، وتشدد على أن إمتداد التحالف الذي تقوده روسيا نحو الأراضي العراقية يعني توسع رقعة نفوذ موسكو إلى ما هو أبعد من الحدود السورية.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، الواقع اللبناني لن يكون بعيدًا عن هذا السياق الإقليمي العام، وبالتالي سيتأثر بالمناخات التي ستطغى على الشرق الأوسط، والتي باتت فيها روسيا عنصرًا مقررًا لا يمكن تجاوزه، مقابل تراجع الدور الأميركي والسعودي، نتيجة الفشل في تحقيق الأهداف التي وضعها الجانبان منذ أكثر من 5 سنوات، وتعتبر أن هذه الصورة تعني أن الرياح لن تجري وفق ما تشتهي سفن المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه "المستقبل"، بل على العكس ستكون لصالح المحور المقابل الذي ينتمي إليه "التغيير والإصلاح".

وتوضح المصادر نفسها أن واشنطن، في المرحلة الراهنة، لن تكون قادرة على خوض أي مواجهة عسكرية مع موسكو، بسبب إنشغالها في إنجاز إستحقاقها الرئاسي، في حين أن الرياض تبحث عن أي وسيلة قادرة على إخراجها من المستنقع اليمني، أمّا في أنقرة فسيكون هدف الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ مواجهة الإرهاب الذي يمتدّد نحو بلاده، بالإضافة إلى إنجاز إستحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة بأقل قدر ممكن من الخسائر.

بالإستناد إلى هذه الوقائع، تشير هذه المصادر إلى أن تحركات "التيار الوطني الحر"، في المرحلة المقبلة، سترتكز على إرتياح كبير على المستوى الإقليمي، في وقت يبدو "المستقبل" عاجزًا عن فهم حقيقة ما يجري، بسبب التخبّط الذي تمر به السعودية على مستوى علاقاته الخارجية، وتؤكد بأن الحريري سيواجه أوضاعًا صعبة، متمثلة بتأزيم الملف اللبناني من قبل العماد عون، مدعومًا من قبل حليفه "حزب الله"، بهدف إجباره على تقديم تنازلات أوسع من تلك التي كانت مطلوبة منه، والتي كان يستطيع من خلالها إنجاز تسوية لا تشكل خطرًا على إتفاق الطائف.

في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أنّ الحريري لم يخسر العلاقة مع "الوطني الحر" فقط، بل خسر أيضًا ثقة كل من رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد أن عملا بكل قوتهما على إنضاج تسوية مقبولة مع "الوطني الحر"، وتسأل: "هل ينقذ "الشيخ" الأوضاع قبل فوات الأوان، عبر العودة إلى التفاهم مع "الجنرال"، أم يدفع الثمن مضاعفًا لاحقًا؟"