العرب لديهم أعمالهم الخاصة والمسلمون لديهم عباداتهم المعروفة. ولكن لا أعمال العرب في مصلحة العرب وخيرهم ونمائهم وازدهارهم، ولا عبادات المسلمين خالصة لوجه الله الواحد الأحد. لا الأعمال تنتج رخاء اقتصادياً واستقراراً اجتماعياً، ولا الصلوات والأدعية تنتج وحدة ومحبة وألفة وتعاوناً. العرب والمسلمون على حدّ سواء يجمعون ما لا يأكلون ويبنون ما لا يسكنون ويؤملون ما لا يدركون.

وكلنا يستطيع رؤية ذلك بوضوح كامل. أبراج وقصور عالية في بلاد العرب الواسعة وفقراء ومشرّدون يسقطون عمداً من فكر وضمير وأحاسيس ملوك وأمراء الصحراء خاصة.

مساجد مزخرفة وصلوات قائمة دائمة، لكن لا إيمان ولا تقوى ولا ورع، والذبح باسم الله يجري على النساء والأطفال والرجال في الأسواق والشوارع طمعاً بالجنة وحورياتها.

أما فلسطين السليبة فلم تجد مال العرب وأعمالهم ولا صلوات المسلمين ودعائِهم.

المال والأعمال للفتنة، والصلوات والأدعية لبث السموم تحريضاً وتغريراً. صدق أمير المؤمنين علي عليه السلام عندما قال: «لا مصيبة أعظم من الجهل». الجهل بالوجود والجهل بالخالق والجهل بالعالم والجهل بالدين والجهل بالنفس والجهل بالآخر.

من هنا نقول: لم يعُد موضع جدل كبير كيف تستغلّ الحكومة «الإسرائيلية» كلّ ما يحصل في المنطقة لتبدأ دورة جديدة من الاستيطان والعنف ضدّ الفلسطينيين. فمن الطبيعي لكيان عنصري تحكمه النزعات الإرهابية أن يمارس القهر ويستخدم القوة للوصول إلى أهدافه.

في الآونة الأخيرة شجعت الحكومة «الإسرائيلية» المتطرفين لتدنيس المسجد الأقصى فتدخل بعدها القوات «الإسرائيلية» لتقمع المحتجين في إطار محاولة مكشوفة الأبعاد لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم فوقه.

لكن الأمر الأكثر غرابة هو غياب شبه تامّ للحكام والمسؤولين الفاعلين على مستوى الأمة. وكأنّ فلسطين غابت في غياهب التاريخ والنسيان، وكأنّ الشعب الفلسطيني غير موجود، وكأنّ القضية الفلسطينية منتفية. وليست المسألة في أن الدول الإسلامية والعربية قد خفضت انخراطها ومشاركتها في هموم وشجون الشعب الفلسطيني، بل ما يحدث هو تخلٍّ تامّ وانكفاء كامل عن أمر لطالما كان في وجدان كلّ عربي ومسلم وفي حركة كلّ دولة عربية وإسلامية، وهذا المشهد الخطير الذي نراه اليوم والمصادمات بين الفلسطينيين وشرطة الإرهاب «الإسرائيلية» يؤكد أنّ القيادة «الإسرائيلية» عازمة على إعادة رسم فلسطين السياسية والجغرافية والديمغرافية.

ما نلاحظه أنّ هناك تفاقماً للخطر الإرهابي الصهيوني واتساعاً لمستوى تحدّيه للوجود الديني الإسلامي ما يضع الأمة كلها أمام مسؤولية كبيرة وجسيمة.

نحن أمام مخاطر متزايدة على المسجد الأقصى، نحن أمام تهديد حقيقي، نحن أمام محاولة جدية من قبل السلطات «الإسرائيلية» لتغيير مسار القضية الفلسطينية، ونحن أمام قرار استراتيجي كبير نحو تأسيس واقع صهيوني جديد في فلسطين المحتلة. ونعرف أنّ الأعباء على الشعب الفلسطيني تضاعفت، ولكنه الأكثر قدرة على منع هذه المحاولات «الإسرائيلية» الموبوءة. لقد نزل الشعب الفلسطيني على الأرض باللحم العاري لحماية المسجد الأقصى والمقدسات عبر ما هو مُتاح من إمكانات يدوية بسيطة، لكن المطلوب إنْ لم يُسعف الحال في دعم هذا الشعب بالسلاح فأن نُسعفه بالموقف السياسي والإعلامي.

فمن فلسطين بدأ الصراع الحقيقي مع الغرب المستعمِر ومن هناك يجب أن ينتهي نصراً لهذه الأمة وزوالاً لكيان «إسرائيل»!