على الرغم من تفاقم الأزمات المحلية على مختلف المستويات، لم تجد القوى السياسية من داع لإعلان حال الطوارئ، بل على العكس من ذلك تتنافس فيما بينها على إعلان براءتها من الأجهزة الرسمية، على أمل أن يفضي هذا التوجه إلى إزاحة كاهل المسؤولية عن عاتقها، ليكون السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه، في المرحلة الراهنة، يتعلق بالجهة التي تتولى إدارة البلاد، في ظل المخاطر العديدة التي تتهددها، من الأمن إلى الإقتصاد وصولاً إلى الإجتماع.

من حيث المبدأ، يتمنى رئيس الحكومة ​تمام سلام​ لو كان قرار إستقالتها بيده، لكنه يدرك جيداً قبل غيره أن هذا الأمر ممنوع عليه، بسبب الخطوط الحمراء التي تضعها القوى الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي، نظراً إلى الفراغ الذي يسيطر على موقع الرئاسة منذ مغادرة الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ القصر الجمهوري، وبالتالي أقصى ما يستطيع القيام به الإعلان رسمياً عن حالة "الإعتكاف" القائمة منذ أشهر طويلة.

في هذا السياق، تستغرب مصادر سياسية مراقبة، عبر "النشرة"، عدم تحمل أي من الأفرقاء السياسيين مسؤوليتهم لما يجري على أرض الواقع، وتلفت إلى أن البعض في قوى الثامن من آذار، لا سيما "حزب الله"، يعتبر أن المشهد الحالي يعزز رؤيته إلى الدولة غير القادرة على القيام بواجباتها الأمنية والعسكرية، ما يبرر إستمراره في إمتلاك السلاح لمواجهة إسرائيل، في حين أن قوى الرابع عشر من آذار، خصوصاً تيار "المستقبل" ترى ان كل مشاكل الدنيا بسبب هذا السلاح نفسه، وأنه السبب الذي يحول دون بناء الدولة، ليتفق الفريقان على أن ​لبنان​ عبارة عن دولة فاشلة بكافة المقاييس.

بالنسبة إلى هذه المصادر، القوى السياسية تعلن، من حيث تدري أو لا تدري، سقوط النظام الحالي وسط المخاض الكبير الذي تمر به المنطقة، لكنها تعرب عن أسفها لأن المشهد العام يوحي بأن هذا السقوط كان بسبب أزمة النفايات التي إنفجرت في الآونة الأخيرة، مع العلم أن تحديد تاريخه الدقيق يتطلب العودة إلى ما قبل إنتخاب الرئيس الأخير، نظراً إلى أن إتفاق الدوحة كان عبارة عن جرعة من الأوكسيجين لم تنجح في معالجة أي من الأزمات، بل ساهمت في تفاقمها لأن الهدف منه كان تكريس معادلة مرحلية فرضتها التطورات التي طغت على المشهد السياسي في ذلك الوقت.

في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى أن لبنان يعيش منذ بدء الحرب السورية، في شهر آذار من العام 2011، تحت رعاية مظلة إقليمية ودولية تمنع إنفجار الأوضاع الأمنية فيه بشكل كامل، إلا أنها لم تحل دون وقوع بعض الأحداث المتفرقة بين الحين والآخر، خصوصاً خلال جولات العنف على محاور مدينة طرابلس التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة، لكنها ترى أن هذه المظلة لم تعد قائمة بالمستوى نفسه، والدليل حالة الإحتقان المهددة بالإنفجار في أي لحظة، بالإضافة إلى المخططات الإرهابية التي تكشفها الأجهزة الأمنية يومياً، عبر التوقيفات التي تحصل في بعض المناطق.

وتعتبر هذه المصادر أن البلاد تمر في هذه الأيام، بأخطر مرحلة على الإطلاق، حيث تسعى القوى الدولية والإقليمية إلى تسجيل النقاط على بعضها البعض، وترى أن لبنان قد يتحول فيها إلى ساحة مبارزة من العيار الثقيل، تتخطى ما هو قائم حالياً على الصعيد الخطابي فقط، وفي حال لم يكن من داع لتفجير الأوضاع فيه سيبقى على لائحة الإنتظار فترة طويلة، لكن هذا لا يعني أن نظامه الحالي سيعود إلى الحياة من جديد، بل بات محسوماً أن هناك ما هو جديد في مرحلة الولادة القيصرية حالياً، وتضيف: "من وجهة نظر البعض الأمور كانت حتى أشهر قليلة لا تزال تحتمل تسوية مقبولة من جميع الأفرقاء، لكن الحال التي وصلت إليها مؤسسات الدولة الدستورية توحي بأن البلاد متجهة إلى ما هو أكبر من ذلك، حيث سيكون المؤتمر التأسيسي الذي يحكى عنه منذ سنوات هو المحطة الأخيرة في نهاية المطاف".

في المحصلة، دخل لبنان المرحلة الأخطر في تاريخه الحديث، لكن الرهان يبقى على إمكانية تجاوزها من دون الوقوع في خضات أمنية خطيرة، والإكتفاء بتلك السياسية التي باتت شبه ضرورية من أجل عودة الحياة إلى ما تبقى من هيكل الدولة.