حتى الساعة، لا يزال التداول بموضوع التسوية الشاملة التي طرح الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله السير بها، يقتصر فقط على العموميات من دون التطرق لأية تفاصيل. فلا الحزب كشف عن مضمونها، ولا "تيار المستقبل" طلب تفاصيلا أو قدم رؤيته لها. الفريقان ينتظران موعد لقائهما المقبل على طاولة الحوار الثنائي كي يبحثا الموضوع، ولو كانت الحلقة الأولى ستخصص فقط للنقاش بالمبدأ العام على أن تأتي التفاصيل في حلقات متتابعة باعتبار ان الطرفين غير مستعجلين لتسوية سريعة، وكل منهما يحاول كسب الوقت بانتظار اتضاح المشهد الاقليمي وخاصة المشهد السوري.

وتكثر التساؤلات والتوقعات حول فحوى التسوية التي سيقدمها الحزب، وهو ما أثار مؤخرا مخاوف الحلفاء وخاصة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي، وان أكد مقربون منه أنّه مطمئن لالتزام الحزب بوعوده وعهوده، يخشى بينه وبين نفسه، كما عدد كبير من قياديي تياره من أن تأتي التسوية المقبلة على حسابهم. وهو ما يخشاه أيضا حلفاء تيار "المستقبل" وخصوصًا المسيحيون منهم، لذلك تنشط الحركة على خط الرابية-معراب بهدف قطع الطريق على اي محاولة من هذا النوع، من خلال المسارعة لاتمام اتفاق عوني-قواتي على ​قانون الانتخاب​ لالزام الحلفاء المسلمين ادراجه كبند اساسي في أي تسوية مقبلة.

وتستغرب مصادر في قوى "8 آذار" الحديث عن مخاوف عون من تسوية على حسابه، مؤكدة أن ما طرحه السيد نصرالله وما ستنص عليه اي "طبخة" مقبلة، ينطلق من تمسك "حزب الله" بالعماد عون كمرشح وحيد واساسي لرئاسة الجمهورية بعكس ما يحاول البعض اشاعته عن اتفاق على مرشح توافقي كأساس لانطلاق المسار التسووي.

وتقول المصادر: "على الجميع أن يعي أن اي تسوية مقبلة تنطلق من الظروف الميدانية القائمة، وبعد التدقيق بميزان القوى الحالي الذي يميل وبقوة لصالح محور المقاومة. وبالتالي نحن بصدد الحوار والنقاش وبعيدون كل البعد عن سياسة الفرض، لكننا بالوقت عينه لسنا بصدد تقديم تنازلات غير محسوبة لا تليق بالانتصارات التي تتحقق على الميدان السوري".

وتشير المصادر الى أن البنود الأخرى التي ستتضمنها التسوية "تشمل الحكومة من حيث رئيسها وحجم التمثيل فيها، كما موضوع قانون الانتخاب الذي لا شك سيكون مختلطا على ان يكون النقاش حول نسبة النسبية فيه". وتضيف: "التنازلات التي قد نقدمها تنحصر ببندي الحكومة وقانون الانتخاب، مع التأكيد على ان لا عودة لقانون الستين".

وبعكس أجواء التفاؤل المسيطرة على المشهد السياسي العام، هناك نوع من الحذر الشديد في الاوساط المعنية داخل "حزب الله" و"المستقبل"، لاقتناع الطرفين أن مرجعيتيهما الاقليميتين قد لا تقبلان بالسير بأي تسوية تنصّب رابحًا مقابل خاسر خصوصًا وأن الأمور في سوريا لم تُحسَم بعد.

وفي هذا السياق، ترجح المصادر أن لا يتمكن "المستقبل" من الترويج للتسوية التي يعدّها "حزب الله" في المملكة العربية السعودية ما سيؤدي لسقوطها تلقائيا، وتضيف: "لكن القيمين على التيار الازرق يعون أيضا أن ما بعد سقوط مبادرة السيد نصرالله لن يكون كما بعدها، فالمعادلات ستختلف، وإذا كان بندا تعديل اتفاق الطائف والسير بمؤتمر تأسيسي قد سُحبا من التداول في هذه التسوية، فإنّ هذا الأمر لن يبقى قائمًا بطبيعة الحال في أيّ صيغة حلّ تُطرح في مرحلة لاحقة".

في المقابل، تتحدث مصادر سياسية عن تسوية قد يتم اعتمادها بعد مرحلة شاقة من المفاوضات تعتمد على مرشح توافقي للرئاسة يسميه العماد عون، قد يكون الوزير السابق ​جان عبيد​، شرط ألا يرأس رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ الحكومة المقبلة، بل شخصية أقرب الى قوى "8 آذار"، قد تكون الوزير السابق عبد الرحيم مراد. الا أن هذا السيناريو لا يزال في المراحل الأولى من البحث وسيتطلب دفع ثمن باهظ لعون، على الأرجح بملف قانون الانتخاب.

بالمحصلة، وبعكس ما تشير كل الأجواء والمواقف المعلنة، فان المعطيات المؤكدة لا تحمل أي جديد يُذكر على صعيد الأزمة السياسية القائمة، باستثناء اعلان النوايا الايجابية بين طرفي الصراع، وهي نوايا لا يمكن أن تُصرف في مكان طالما أنّ المعنيين الاساسيين بصرفها، اي الرياض وطهران، غير جاهزين او متحمسين لها وللملف اللبناني ككل.