تتسارع الوتيرة يوماً بعد يوم من اجل القضاء على المنظمة الارهابية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ولو انها من صنع اناس علموا تماماً خطورتها ولكنهم كانوا بحاجة اليها لاتمام مشروعهم وخططهم في المنطقة والعالم.

باتت "داعش" اليوم تنتظر نهايتها بعد بدء الخطوات التنفيذية للقرار الذي اتخذ بالقضاء عليها، ولعل اول مسمار دق في نعشها، كان استهداف محطات وناقلات النفط التي تعتمد عليها لعيش "رفاهيتها". صحيح ان الضربات الجوية والعمليات البرية المرافقة لها هي العنصر الاول والاهم في القضاء على اي منظمة ارهابية، ولكن اتخاذ قرار على مستوى انهاك المنظمة مالياً لا يقل شأناً، لا بل قد يكون اخطر بالمعنى السياسي والمالي.

عاشت "داعش" لسنوات على الدعم المعنوي الذي تلقته من دول، وعلى الدعم العسكري الذي حصلت عليه من بلدان "متعاطفة" معها ومع اهدافها، وعلى دعم مالي من اجهزة استخباراتية عالمية، كل ذلك بهدف تقوية وتعزيز مقومات بقائها واستمرارها. ولكن، ومع الوقت، وبفضل سيطرتها على مناطق جغرافية غنية بالنفط، تمكنت "داعش" من كسب استقلالية مالية قلّ نظيرها، حتى انها باتت منظمة "مصدّرة للنفط" تتعامل مع دول وشركات وتؤمّن مكسباً مادياً هائلاً، قدره العديد من الخبراء بأنه يصل الى حدود المليون دولار يومياً!

قرار استهداف النفط اتى بمبادرة روسية تبعه تفاهم اميركي-غربي مؤيد. وشنت الطائرات الروسية والاميركية والدولية عشرات الغارات، في الايام القليلة الماضية، على شاحنات النقل ومراكز حقول النفط "الداعشية"، حيث خسرت المنظمة الارهابية في غضون ايام فقط ما لم تخسره مالياً منذ ظهورها على الساحة.

هذه الخطوة تحمل دلالات سياسية، اضافة الى دلالاتها المالية. فعلى الصعيد المادي الصرف، تضع الخسائر النفطية "داعش" في موقف حرج لان عملها يتطلب اموالاً لم يعد بالمقدور كسبها بسهولة كما كان يتم سابقاً، وهذا ينعكس طبعاً على رواتب العناصر الارهابية وتأمين مقومات عيشهم، والأكثر أهميّة انه سيجفف القدرات على تجنيد ارهابيين من مختلف انحاء العالم. اي بمعنى آخر، ستقطع اذرع الاخطبوط الداعشي في الخارج (ما عدا الخلايا النائمة التي لا تزال متواجدة، وهي لن تستمر في الحياة بطبيعة الحال بعد انقطاعها مالياً عن المركز الام)، وهو امر سينعكس ايجاباً من الناحية السياسية على الدول الغربية والاوروبية تحديداً.

واستهداف النفط يحمل ايضاً رسالة سياسية مفادها ان القرار بـ"احتضان داعش" من قبل بعض الدول، لم يعد ساري المفعول، حتى ان المنظمة الارهابية باتت تشكل حرجاً وخطورة على هذه الدول التي بدأت بالتخلي عن العلاقات التي اقامتها مع "داعش" لانه بات من المستحيل الاستمرار بها.

وفي كلا الحالتين، تجد "داعش" نفسها يتيمة اليوم، وهي التي يتّمت الكثير من الاطفال في العالم، وبدأت تذوق طعم الموت جرعة تلو الاخرى، وبات النفط الذي كان مصدر ثروتها، احد العوامل الاساسية في التحضير لاعلان وفاتها. من الطبيعي الا تتم الامور بين ليلة وضحاها، ولكن لا يمكن الاستهانة بالخسائر اليومية التي تتكبدها جراء استهداف النفط، وهي تتزامن مع ضربات ميدانية مؤلمة للمنظمة التي تكتفي بالرد عبر عمليات انتحارية في اكثر من دولة في العالم. ولكن حتى في هذا المجال، لن تهنأ "داعش" لان التنسيق الاستخباراتي نشط ايضاً، وعمليات الدهم والاعتقالات التي تشهدها دول الاتحاد الاوروبي خير دليل على ذلك، كما انه في لبنان والدول المجاورة، نجحت القوى الامنية في تفكيك العديد من الشبكات الارهابية والحد من خطورتها، رغم صعوبة النيل من كل الشبكات، انما ما جرى حتى اليوم يعتبر بمثابة انجاز في هذا السياق.

نعش "داعش" بات جاهزاً، ودق المسامير فيه سيتواصل بعد المسمار الاول المتمثل باستهداف النفط، ومع ازدياد خطورة العمليات الامنية التي قد تحصل في العالم، تزداد ايضاً عوامل نهاية هذه الظاهرة الارهابية التي تنتظر ايامها الاخيرة.