عندما زار أهالي العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي "داعش" و"​جبهة النصرة​" الإرهابيين القائم بأعمال السفارة التركية الجديد في لبنان شاغاتاي أرجييس، كانوا على يقين، وقبل أن يسمعوا منه بأن بلاده "لا تستطيع المساعدة لأنها على عداوة مع "داعش" والنصرة"، بأن زيارتهم لن تقدم ولن تؤخر على صعيد ملف أبنائهم. وفي الباحة الخارجية للسفارة، كانوا يهمسون فيما بينهم بأن لقاءهم مع ممثل تركيا في لبنان، لا يندرج إلا في خانة "رفع العتب" وكي لا يقال إنهم لطالما زاروا سلفه سابقاً، ولم يقدموا له التهنئة بتعيينه الجديد، "وكيف لا نشعر بهذا التشاؤم المفرط، ولدينا معلومات بأن المجموعات التي تخطف أولادنا، تضع شروطاً من سابع المستحيلات أن تحظى بمباركة الدولة اللبنانية".

يومها، كان الأهالي على علم بأنّ "جبهة النصرة" التي تحتجز حرية 16 عسكرياً في جرود عرسال، أعادت الى دائرة المفاوضات المتوقفة، إضافة الى شرطي إستعادتها لبلدتي فليطا والمعرة الحدودتين وإطلاق سراح خمس نساء سجينات، مطلبها القديم القائل بإعطاء الحكومة اللبنانية رسمياً صفة الوسيط المعلن مع "النصرة" بعد تكليفه، الى الشيخ العرسالي ​مصطفى الحجيري​ صاحب لقب "أبو طاقية". ويومها أيضاً، كان الأهالي على علم بأن وزيراً سيادياً في الحكومة، يؤيد تكليف الحجيري.

تكليف الحجيري رسمياً كوسيط معلن يعني عملياً، أن "النصرة" تريده ولو بطريقة غير مباشرة، بديلاً عن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وهذا ما وصل اليهم عبر أكثر من مصدر. أبرز هذه المصادر، كان الشيخ حمزة حمص، والد العسكري المخطوف وائل حمص، الذي نشط في الآونة الأخيرة على خط عرسال وجرودها برفقة الشيخ الحجيري، والتقى بأبي مالك التلي أمير "النصرة" في القلمون مرات عدة، وخلال هذه اللقاءات سمع من التلي مطالبه التي يقبل على أساسها بإطلاق سراح المخطوفين، ومن بينها أن "الشيخ مصطفى لا يمكن إلا أن يكون شريكاً بأي صفقة تنهي ملف العسكريين".

وسط هذه المعلومات، نزل خبر إصدار المحكمة العسكرية حكم الأشغال الشاقة المؤبدة بحق الحجيري نزول الصاعقة على أهالي العسكريين، الذين إعتبروا أن "الحكم يلحق الكثير من الأذى بالمفاوضات وبالمخطوفين لا سمح الله". وفي هذا السياق يسأل الشيخ حمص عبر "النشرة" عن توقيت صدور هذا الحكم، قائلاً "إذا كان هناك قرار لدى البعض بمنع حصول أي تقدم في ملف المفاوضات، لماذا لا يصارحنا هذا البعض بهذا القرار؟ ولماذا في كل مرة نشعر فيها بتقدم ونرى بصيص أمل، يتعمّد البعض إعادة المفاوضات الى نقطة الصفر؟"

أكثر ما يثير إستغراب الشيخ حمص، كيف أنه زار برفقة الشيخ الحجيري أبي مالك التلي في الشهرين الماضيين أكثر من أربع مرات، وكيف أن كل هذه الزيارات كانت تحصل بعلم مخابرات الجيش واللواء الثامن وكل الأجهزة المعنية، وكيف أنه والحجيري كانا ينتظران في كل زيارة أكثر من ساعة على حاجز وادي حميّد قبل العبور، ولم تعمد الأجهزة الأمنية الى توقيف الحجيري كونه مطلوباً ويحاكم أمام القضاء.

الحكم الصادر بحق الحجيري لم يستنفر فقط أهالي العسكريين المخطوفين لدى "جبهة النصرة"، بل أغضب أيضاً أهالي المحتجزين لدى "داعش"، ومن هذا المنطلق هدد ​نظام مغيط​ شقيق المعاون المخطوف ابراهيم مغيط بفضح الكثير من الحقائق قريباً، ملوّحاً بقطع طريق القلمون ولكن هذه المرة بشكل نهائي.

حكم الأشغال الشاقة بتهمة إنتماء الحجيري الى "النصرة"، لم تعرف بعد الغاية منه ومن توقيته، وما إذا كان صدوره يهدف الى الضغط على الجبهة أم لا، غير أن الأكيد هو أن "أبو طاقية" لن يجرؤ بعد اليوم على عبور حاجز وادي حميد، إلا إذا حصل على الضمانات المطلوبة بعدم توقيفه من قبل الجيش.