من جديد عاد الحديث بقوّة عن إرتفاع فرص وُصول النائب سليمان فرنجيّة إلى منصب رئاسة الجُمهوريّة، وبدأت أقلام صحافية كثيرة ترسم "سيناريوهات" تحقيق ذلك، وتتحدّث عن إجتماعات ولقاءات وعمّا أسمته "تسويات"... لتحقيق ذلك. فمن هي الجهات التي تقف وراء تلميحات قُرب وُصول النائب فرنجيّة إلى قصر بعبدا، وهل هي مُجرّد إشاعات أم معلومات مبنيّة على وقائع؟

بالنسبة إلى مصادر إطلاق هذه التلميحات فهي متعدّدة ومن مواقع مُتضاربة ولأهداف مُختلفة تماماً، وأبرزها:

أوّلاً: بعض أفرقاء فريق "8 آذار" يقفون وراء جزء من هذه التسريبات القديمة–الجديدة، وذلك بهدف دعم النائب العماد ميشال عون بكل بساطة! فهذا الفريق يُحاول إيصال رسالة لمن يعنيهم الأمر ضمن قوى "14 آذار"، أنّ الإستمرار برفض وُصول "الجنرال" إلى منصب الرئاسة، سيُؤدّي في نهاية المطاف إلى وُصول النائب سليمان فرنجيّة، على أمل أن يُصبح خيار العماد عون "أهون الشرّين" بالنسبة إلى مُعارضيه الحاليّين!

ثانياً: بعض مُناصري ومُؤيّدي النائب فرنجيّة أنفسهم يقفون بدورهم وراء جزء من هذه الأقاويل، حيث أنّ هؤلاء يسعون لتسويق فكرة غير صحيحة في ذهن الرأي العام اللبناني، مفادها أنّ النائب فرنجيّة يُمكن أن يكون "رئيس التسوية" المحسوب على قوى "8 آذار" في مُقابل وُصول رئيس حكومة من قوى "14 آذار"، ويسعون لإقناع من يعنيهم الأمر بأنّ النائب فرنجيّة هو أكثر قابليّة من العماد عون لتقديم التنازلات ولعقد التفاهمات والتسويات.

ثالثاً: بعض أفرقاء فريق "14 آذار" يُروّجون من جهتهم لجزء من هذه التسريبات، مستغلّين التوتّر المُتزايد في العلاقة بين عون وفرنجيّة، وذلك في محاولة لتوسيع الهُوّة بين الطرفين، إن على مُستوى القيادة أو على مُستوى الأنصار والمُؤيّدين.

وبحسب المعلومات المُتوفّرة إنّ كل هذه الأقاويل والتسريبات، وكذلك كل ما يُحكى عن "تسويات" تُحاك وراء ظهر "الجنرال" وغيره عبر لقاءات هنا وعبر مندوبين مُتبادلين هناك، ليست سوى إشاعات غير صحيحة. وكل ما يتردّد عن "سيناريوهات" تشمل منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحُكومة، لا يتجاوز مسألة جسّ النبض في أفضل الأحوال. فعقبة الرئاسة لا تزال قائمة حتى تاريخه، وعرض توزيع السُلطات العليا ليس بجديد، وهو كان قد رُفض من قبل قوى "14 آذار" بسبب تجاهل قوى "8 آذار" المُتعمّد لمنصب رئاسة مجلس النوّاب والتعاطي معه وكأنّه خارج مُعادلة التسوية المُفترضة، علماً أنّ هذا المنصب الواقع في قبضة "8 آذار" حاسم على صعيد التوازنات الداخليّة. وإذا كان صحيحاً أنّ النائب فرنجيّة هو سياسي براغماتيّ وجاهز للتعاطي بواقعيّة مع مسألة توزيع الحُصص الداخليّة، وهو مقبول أكثر من العماد عون من قبل بعض مُعارضي "الجنرال" غير المُعلنين ضمن قوى "8 آذار"، فالأصحّ أنّه لا يُمثّل لكثير من قوى "14 آذار" سوى حليف محطّ ثقة للرئيس السوري بشّار الأسد، ما يجعله خارج مُعادلات التسويات المُحتملة، كون وُصوله يُشكّل إنتصاراً لخط سياسيّ واضح وهزيمة لخط سياسي آخر، وإنتصاراً للنظام السوري نفسه على الدول الإقليميّة المُعارضة له، بنسبة تزيد كثيراً عمّا يُمكن أن يُشكّله وُصول العماد عون إلى منصب الرئاسة. أكثر من ذلك، الكثير من القوى السياسيّة لا تعتبر النائب فرنجيّة زعيماً مسيحيّاً قويّاً، حيث أنّ حجم كتلته النيابيّة لا يتجاوز ثلاثة نوّاب حصلوا على أكثرية غير كبيرة داخل مدينة زغرتا، وخسروا في كثير من بلدات وقرى قضاء زغرتا، يُضاف إليهم النائب إميل رحمة الواصل بأصوات مُناصري "حزب الله" في دائرة "بعلبك الهرمل"، قبل ترحيله إلى كتلة "لبنان الحُرّ الموحّد". وهؤلاء يُسلّطون الضوء بشكل مُتكرّر على تراجع النائب فرنجيّة في نشر "تيّار المردة" بشكل جدّي وفعّال خارج قضاء زغرتا، على الرغم من الجُهود القويّة التي بُذلت في هذا الصدد منذ العام 2005 حتى اليوم. وعلى المُستوى الإقليمي لا يُوجد أيّ بوادر لهكذا تحوّل في المواقف، بشكل يسمح بوصول الحليف المسيحي الأقوى للنظام السوري الحالي إلى سدّة الرئاسة في لبنان.

في الختام، لا بُدّ من التذكير أنّ النائب فرنجيّة الذي قال ردّاً على سؤال في إحدى مُقابلاته الإعلاميّة الأخيرة، إنّه يُؤيّد الحوار بين رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وحزب "القوات اللبنانيّة" لكنّه ليس مُلزماً بما يتفق عليه عون مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، سيُقابل بنفس المَنطق من قبل الزعيمين المارونيّين المذكورين، حيث أنّهما غير مُلزمين بالتأكيد بالمُوافقة على ما يتفق عليه النائب فرنجية مع أيّ من المُحاورين الداخليّين، الأوّل إنطلاقاً من كونه لم ينسحب من المعركة الرئاسية الأخيرة له بحكم العُمر، ولم يُجيّر بالتالي أصواته الحاسمة لأحد، والثاني إنطلاقاً من تموضعه السياسي الواضح ضد النظام السوري وحلفاءه في لبنان، ولأسباب مُرتبطة بالزعامة على منطقة الشمال بالتحديد والتي تُشكّل عصباً أساسياً لمناصريه.