يكثر في الحياة استعمال تعبير "طبخة بحص" او "الذي يدق الماء"، فلا البحص ينضج ولا الماء يصير طحيناً. في السياسة ايضاً هناك فريق لبناني ما زال يطبخ البحص ويريد طحنه بأسنانه فلا نجح وتكسرت اسنانه. حتى هذه اللحظة لم يتبلغ كل فريق 8 آذار اية معلومات رسمية او ثابتة عن لقاء بين النائبين سليمان فرنجية وسعد الحريري في باريس منذ ايام. فالرابية تعقد إجتماعها الدوري المعهود اليوم لتكتلها النيابي للاصلاح والتغيير، ويستبعد اهلها ان يكون لهم موقف واضح مما يجري لان ما يجري حقيقة ليس الا همروجة اعلامية وتأكيدات من نواب المستقبل وقادته للقاء، لم ينفه المردة او يؤكده في حين تسري في الاوساط السياسية "خبرية" ان الوزير ريمون عريجي التقى الرئيس الحريري ولاحقاً انضم فرنجية الى مأدبة عشاء اليهما. وكل هذه السيناريوهات وغيرها لا تزال "خبريات" اعلامية ولم تخرج عن هذا الاطار. مناسبة ثانية يتوقع ان يثار فيها الاستحقاق الرئاسي وهي الجلسة المسائية اليوم بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة برعاية الرئيس نبيه بري وحضور معاونه الوزير علي حسن خليل. وستكون مبادرة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على الطاولة والرد المتوقع لـ14 آذار عليها بعد تشاورهم مع الحريري الذي وافق عليها "كلامياً" ايضاً وطلب مهلة للتشاور مع حلفائه والرد عليها وحتى اللحظة لم يأت الجواب الا اعلامياً. وهذا في عرف حزب الله يبقى غير رسمي وغير معتد به حتى يثبت العكس.

في المقابل سيحضر اللقاء "المفترض" بين فرنجية والحريري على الطاولة بين الطرفين وسيسأل ممثلو الحزب ممثلي المستقبل عن حقيقة ما يجري في الرياض وباريس وماهية هذه اللقاءات التي تجري، علماً ان فرنجية لم يبلغ احدا من حلفائه وخصوصاً حزب الله والعماد عون انه التقى الحريري او أكد ما سرّبه حتى اللحظة تيار المستقبل ووسائل اعلامه.

في مقلب 8 آذار وإنطلاقاً من اهمية الحوار الداخلي والتلاقي بين الاطراف كافة، لا ممانعة ولا اعتراض على اي تقارب او اي لقاء. فمنذ عام ونيف التقى العماد عون والوزير جبران باسيل بالرئيس الحريري في باريس وامتدت اللقاءات الى بيروت، ولم ينسق فيها العماد عون مع حلفائه وعوّل عليها، لكن الحريري خذله في نهاية الطريق واخلّ بكل تعهداته والتزاماته. فلا 8 آذار وحلفاء عون "اخذوا على خاطرهم" منه او فكوا تحالفاتهم. فالاحساس كان اقرب الى اليقين لديهم ان هناك مناورة يقوم بها الحريري عبر السعودية لتضييع بوصلة التحالف بين عون وحزب الله. فترك الامر حتى النهاية ليتبين مقاصد الحريري وهكذا كان حتى دخلت البلاد اليوم في شلل حكومي كامل بعد فك عقدة التشريع اخيرا.

في مداولات 8 آذار الخاصة لا تأكيد للقاء الحريري وفرنجية، ولا معلومات سوى في وسائل الاعلام عن وجود طروحات جدية لحلحلة العقدة الرئاسية، وحتى ماهية السلة المتكاملة او التسوية الشاملة التي طرحها السيد نصرالله منذ ايام. فحتى الموافقة الاولية للطرف الآخر لا تزال محجوبة، من دون ان يكون هناك رد واضح بالرفض.

فلو اراد النائب جنبلاط الاتيان برئيس جمهورية بمساعدة ورضى الرئيس الحريري ودعم الرئيس نبيه بري لما تمكن الثلاثة من ذلك لسبب بسيط، ان إنتخاب الرئيس في لبنان يحتاج الى الغالبية المطلقة في دورته الاولى وبالاكثرية المطلقة في الثانية او ما يعرف بالنصف زائد واحد. فلو اجتمع الثلاثة على إسم سليمان فرنجية وقدموا مبادرة الى حزب الله والتيار الوطني الحر وباقي 8 آذار سيكون رد الحزب ان اذهبوا الى العماد عون وإسألوه: هل تتنازل لفرنجية عن الرئاسة؟ وما هو الثمن الذي تريده؟ عند ذلك يشعر فريق 8 آذار ان الطرح جدي.

سيناريوهات كثيرة تتناهى الى اسماع 8 آذار اكثرها مشاريع طموحات شخصية لوليد جنبلاط الذي رفع صوته على طاولة الحوار الاخيرة، مشيداً بفرنجية، ومعلناً انه سيكون له مبادرة في هذا الشأن وخصوصاً ان هناك طاقتي فرج : الاولى مبادرة نصرالله والثانية نجاح جنبلاط مع بري والحريري في تجاوز عقدة "الفيتو" المسيحي على التشريع.

في مساعي جنبلاط الدائمة للحلول والتسويات، يضمن زعيم المختارة لنفسه مقعداً متقدماً في اللعبة الداخلية والتسويات المقبلة بعدما اغلقت في وجهه كل الابواب الاقليمية من سورية الى ايران فروسيا والسعودية تتعاطى معه بحذر حتى الآن. من ناحيته الحريري يريد ان يستعيد "بريقه الداخلي" امام حلفائه وجمهوره وان يمهّد لعودته الى لبنان رئيساً للحكومة ومعه رئيس للجمهورية ينسجم مع توجهاته ولا يريد كل "ما دق الكوز بالجرة" ان يحتاج اياه الى مصالحة و"غسيل قلوب".

المؤكد حتى الساعة ان كل حراك او لقاء او تقارب داخلي لبناني وبين اللبنانيين في الخارج هام ومفيد وضروري في بقاء الناس تتكلم مع بعضها وتتبادل وجهات النظر. وهذا النقاش ضروري في هذه اللحظة الراهنة لتهيئة الظروف لانضاج الارضية الداخلية لاستقبال اي تسوية خارجية متأتية من الميدان السوري والاجهاز على داعش. وعليه تبقى هذه اللقاءات وهذه الحراكات لا تصرف على الارض او تقرش بالسياسة طالما ان ظروف نضوجها لم تحن بعد.