خلال أيامٍ قليلة، استطاع اللقاء "المفترض" بين رئيس "تيار المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ ورئيس "تيار المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ في باريس أن يخطف الأضواء ويتصدّر واجهة الاهتمام، وذهب كثيرون لحدّ اعتباره "نقطة تحوّل" في مسار الأزمة اللبنانية.

وعلى الرغم من حرص جميع المعنيّين على نفي حصول اللقاء جملةً وتفصيلاً، كان لافتًا "الاستنفار" الذي رُصِد داخل "تيار المستقبل"، وتُرجِم بـ"لقاء القِمّة" الذي عُقِد بين عددٍ من "صقوره" في الرياض، توازيًا مع بروز "انقسامٍ" إزاء "الانفتاح" على "البيك الزغرتاوي"، لأكثر من سببٍ وسبب...

سرّ التوقيت...

برأي مصادر سياسيّة متابعة، فإنّ مجرّد الحديث عن إمكانية حصول لقاءٍ بين النائبين الحريري وفرنجية من الطبيعي أن يثير اهتمامًا استثنائيًا في الأوساط السياسية المختلفة، انطلاقاً من "التوقيت" الذي تمّ فيه تسريب مثل هذا الخبر، والذي يكمن "سرّه" بثلاث مدلولاتٍ أساسيّة لا يمكن القفز فوقها.

أول هذه الدلالات، بحسب المصادر، يكمن بـ"سياسة الانفتاح" على فرنجية التي يمارسها العديد من الأفرقاء بشكلٍ واضحٍ، من قبل المناوئين له قبل مؤيّديه، ولعلّ اللقاء الذي جمع الأخير برئيس "حزب الكتائب" النائب سامي الجميل في الآونة الأخيرة خير دليلٍ على ذلك، والذي وُصِف بأنّه "ردّ مباشر" على ما سمّي بـ"إعلان النوايا" بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وقيل أنّه يمهّد لـ"شيءٍ ما" في المقابل.

أما ثاني الدلالات، فتربطها المصادر بـ"الزكزكة" التي يعمل عليها كثيرون من أجل إذكاء الخلافات الموجودة أصلاً والتي لم تعد خافية على أحد بين فرنجية من جهة ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون من جهةٍ ثانية، وخصوصًا أنّ "التوافق" فيما بينهما بات هو "الشواذ" في الآونة الأخيرة، و"التمايز" هو "القاعدة" بكلّ ما للكلمة من معنى، الأمر الذي تكاد تشهد عليه جميع استحقاقات الأشهر القليلة الماضية.

وبين هذا وذاك، تربط المصادر الموضوع برمّته بـ"التسوية الشاملة" التي تحدّث عنها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، والتي تلقفها الحريري بشكلٍ سريع، وقد قيل أنّ فرنجية نفسه قد يكون "باب" هذه التسوية، بحيث يكون دخوله إلى قصر بعبدا من الباب العريض "نقطة الانطلاق" التي يمكن البناء عليها.

خيانة للدم؟

وبعيدًا عن القراءة السياسية للتوقيت والدلالات، تتحدّث المصادر عن وجهتي نظر متباعدتَين حدّ التناقض داخل "تيار المستقبل" إزاء مجرّد "الانفتاح" على فرنجية، قبل نقاش إمكانية التوافق على انتخابه رئيسًا للجمهورية، إذ هناك من يعتبره "ضربة معلّم" بكلّ ما للكلمة من معنى، في حين يرى قسمٌ آخر لا يُستهان به بأنّه سيكون بمثابة "خيانة للدم" لا يجوز الوقوع في فخّها.

بالنسبة للرأي الأول، توضح المصادر أنّ هناك داخل "التيار الأزرق" من يطرح اسم فرنجية للرئاسة بشكلٍ جدّي ومنذ فترة، ويرى أنّه بذلك يضرب عصفورَين بحجرٍ واحدٍ، باعتبار أنّه سيُربِك قوى الثامن من آذار التي تتباهى بأنّها موحّدة خلف العماد عون، وسيشكّل ضربة لـ"حزب الله" الذي سيجد نفسه عالقاً بين حليفين لدودين، وسيُظهِر من جهة ثانية قوى الرابع عشر من آذار في مظهر "المبادِر" من جديد، والمستعدّ لـ"التضحية" في سبيل إنهاء الشغور الرئاسي، من دون أن ننسى أنّه بذلك سوف يزيد التباعد بين عون وفرنجية وصولاً إلى "القطيعة الكاملة"، الأمر الذي سينعكس مزيدًا من التقهقر داخل فريق "​8 آذار​" الذي ينازع عمليًا.

وإذا كان أصحاب هذا الرأي ينطلقون من بعض المواقف "العقلانية" التي أطلقها فرنجية في الآونة الأخيرة، والتي أكّدت أنّه يمكن أن يشكّل "ضمانة" للشارع السنّي، خصوصًا لجهة الحرص على اتفاق الطائف ورفضه حصول المسيحيين على حقوقهم عن طريق مصادرة حقوق الطوائف الأخرى، فإنّ أصحاب الرأي الآخر ينطلقون في المقابل، وفقاً للمصادر نفسها، من كون فرنجية هو "رجل (الرئيس السوري) بشار الأسد في لبنان"، كما يذكّرون بأنّ الرجل كان وزير الداخلية عند اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، الأمر الذي يحمّله مسؤولية ولو معنوية لا يمكن تجاوزها، وبالتالي فإنّ الانفتاح عليه لن يكون عمليًا سوى "هدية مجانية" لحلفاء النظام السوري، سوف تُقدَّم لهم على "طبقٍ من فضّة"، بل يذهبون لحدّ القول أنّ انتخاب عون نفسه رغم مطالبه التعجيزية وشخصيته الصعبة يبقى أهون عليهم وبأشواط.

المقايضة المرفوضة!

رغم هذا الاختلاف الظاهري، يبقى هناك ما يجمع جناحَي "المستقبل" حتى الساعة إزاء "التسوية" التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام، وهو الرفض "المبدئي" لما يُحكى عن "مقايضة" بين رئاستي الجمهورية والحكومة، بحيث تذهب الأولى لقوى الثامن من آذار والثانية لقوى الرابع عشر من آذار.

تشير المصادر إلى أنّ "التيار الأزرق" يرى في هذه التسريبات "خبثاً" في مكانٍ ما، خصوصًا أنّ كلّ هذه السيناريوهات لا تخرج عن نظرية "الابتزاز" التي لن يزيد "الخضوع" لها سوى الطين بلّة، وسوف يؤدي إلى سريان "عرف" جديد سيتكرّر مراراً في كلّ الاستحقاقات الآتية، التي لن تستطيع قوى الرابع عشر من آذار تحصيل شيءٍ فيها.

وفي حين تلفت المصادر إلى أنّ "المستقبل" يعتبر نفسه اليوم "وريث الدم" في الشارع السنّي، وتقول أنّ الحريري هو عمليًا أكبر من منصب رئيس الحكومة، بدليل ما يحصل راهنًا، مع كامل الاحترام للدور الكبير الذي يلعبه رئيس الحكومة تمام سلام، فإنّها تشير إلى أنّ أمرًا جوهريًا غاب على ما يبدو عن "مخيّلة" راسمي هذا "السيناريو"، ألا وهو أنّ رئاسة المجلس النيابي غير محسوبة بتاتًا، في حين أنّ مالئها هو أحد أقطاب قوى الثامن من آذار، "فلماذا لا يكون هو أيضًا قابلاً للمقايضة شأنه شأن غيره من المراكز الأساسية؟"

"طبخة تُحضَّر"

قد يكون ما يُحكى عن "انفتاح" على فرنجية صحيحاً، كما أنّه قد يكون مجرّد "مناورة" أخرى تسعى من خلالها قوى الرابع عشر من آذار لتسجيل "هدفٍ" في مرمى قوى الثامن من آذار، وقد تكون نجحت في ذلك، بدليل "التباين" في "القراءات" في هذا الفريق، الذين لم يتردّد البعض من أركانه في الحديث عن "الفَرَج الآتي"، من دون أن يتحسّب للتداعيات.

ولكنّ شيئاً واحدًا يبدو أكيدًا وسط كلّ ذلك، وهو أنّ "طبخةً" ما وُضِعت على النار، فجعلت الرياض "محجّة" للسياسيين في الساعات الأخيرة، ولكنّها "طبخة" لم يُعرَف بالضبط ما إذا كانت ستنضج، أم أنّ "كثرة الطبّاخين" ستحرقها، وأكثر...