فيما العالم مشغول ٌ بقضية "الإرهاب"؛ وبينما نرى الضربات الإرهابية تعبر الحدود العربية مرّة أخرى لتضرب هذه المرة القارّة الأوروبية عبر المأساة التي حلّت بفرنسا والتهديدات المتتالية على بلدان اوروبية أخرى؛ يلفت نظر أي مراقب ذاك التكتّم عن التكتيك الذي تخطّه اسرائيل لاستيلائها على الغاز اللبناني وكأنّها تتلذذ بهذا الإنهماك الدولي والتخبّط الداخلي اللبناني لتضع مشروعها الإحتلالي الإقتصادي قيد التنفيذ خطوة خطوة؛ بيد أنّ تلك الحركة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ظهرت إعلاميًا على صعيد كيفية استثمارها لحقول الغاز لديها بعد أن كشفت عن اللقاء الذي جمعها على أرضها بالمدير التنفيذي لشركة ايطالية سبق أن شاركت في دورة التأهيل اللبنانية عام 2013؛ و الذي جرى خلاله البحث عن الإستثمار في حقلَي "كاريش" و"تانين".

وهذان حقلان مُجاوران للحدود اللبنانية حيث توجد الحقول اللبنانية ما قد يسمح بسرقة وشفط الغاز اللبناني أولاً وبالسيطرة على خط تصدير ونقل الغاز الى القارة الأوروبية ما قد يشكل مستقبلاً ضغطاً اقتصادياً على لبنان وحظراً في مجال تصدير إنتاجه فيما اذا ما بدأت اسرائيل عملية الإستخراج.

ويبقى لبنان عبر حكومته عاجزاً عن تفعيل قطاع الغاز واستثمار ثروته الطبيعية فيقف مكتوف الأيدي.

فلا إقرار لمرسومَي الإنتاج واتفاقية الإستكشاف كما دفتر الشروط وتحديد البلوكات على قاعدة "مكانك راوح".

وهذا الشلل لا مجال هنا لاعتبار أسبابه متعلقة بالوضع العام الإقليمي أو أي من أسباب الأزمات الدائرة سوى فشل الحكومة اللبنانية في ايجاد حلول لقضاياها الداخلية و فشلها في إدارة اقتصاد البلد. ولمزيد من الإنصاف، لا ننسى كيديّة الحكام والسياسيين في لبنان في التعاطي مع أي مسألة تتطلب مرسوماً أو قراراً أو قانوناً. والسببُ كلُّ السبب طقمٌ سياسي حاكم تتحكم به "المحاصصة".

وأبعدُ من حرب الغاز بين لبنان واسرائيل التي تلوح في الأفق جبهاتها، محورٌ آخر لا يقلّ خطورة عنها وهو "حرب المياه" الحاضرة والقادمة في المنطقة ككل.

فالثروة المائية، سلعة استراتيجية مساوية أو بديلة لسلعة ​النفط​ في المستقبل، هذا أمر محسوم ركّزت عليه مؤتمرات دولية عدّة منذ السبعينات؛ وهنا تسطعُ المشاريع المائية الزراعية التركية-الإسرائيلية المشتركة التي وُضعت خطوطها منذ سنوات عدّة.

يلوح في الأفق تحول فيها، الى تكامل اقتصادي عربي بعد هذا التقارب العربي-التركي في سياسة المنطقة، بحيث أن الثروة المائية التركية وكيفية استثمارها، لها القوّة الكبرى في زيادة حدّة أزمة شحّ المياه في الوطن العربي ودول الخليج أو تخفيفها وهذا ما تعيه جيّداً المنطقة الخليجية، وما أعلنه صراحة مستشار رئيس الوزراء التركي للشؤون الخارجية في العام 1987 في المؤتمر الثالث الذي نظمه مركز الدراسات الإسستراتيجية و الدولية في جامعة جورج تاون الأميركية عن "مشروع أنابيب السلام" وهو مشروع لتزويد سوريا والأردن واسرائيل وبلدان الخليج العربي بفائض مياه نهرَي "سيحان وجيحان" وهذا جذع أساسي لهذا التقارب العربي-التركي في ظل نظام الإسلام السياسي التركي، الذي خفف من حدّة التوترات العربية التركية. غيرَ أنَّ التنفيذ والشروط تطرح تساؤلات عدّة حول خطورة هذه المسألة ومستقبل العلاقات العربية-التركية وأيضاً اللبنانية-الإقليمية!

يُذكَر أنّ المواقف العربية من مشروع أنابيب السلام تأرجحت بين مواقف اعتبرته ايجابيا وله انعكاسات مهمة اقتصادية على المنطقة، وأخرى رافضة لتلك الخطة واعتبرتها كارثة قد تحل على الأمة العربية، ومنها الموقف السوري الذي وضع مشروعا بديلا لأنابيب السلام.

إنّ هذا التشابك في المصالح يطرح تساؤلا حول دور لبنان في أزمة المياه والاستراتجية والمشاريع المطروحة لاستثمار ثورته المائية، لنجد مرة أخرى أن هذا البلد الغني بثروته الفكرية وثروته النفطية كما ثروته المائية يترنّح نحو الهاوية ولا من ينادي ولا من يضع مشاريع اقتصادية او خطط استراتيجية دفاعية لأي خطر داهم، ولا رؤيا مستقبلية سوى عند بعض العقول التي لا آذان صاغية لندائها.