لطالما ارتبط إسم ​شركة الترابة الوطنية​ (السبع) الموجودة في شكا، بـ"كوارث" بيئية ضربت تلك المنطقة، فمن تلويث الهواء الى تسرب النفط على الشاطىء وتلويث المياه، وصولا اليوم الى محاولة "مضاعفة" انتاجها وبالتالي مضاعفة التلوث كما يؤكد مصدر مطّلع لـ"النشرة".

يعلم القيّمون على شركة السبع ان اعادة الاعمار في سوريا ستنطلق بعد فترة، وبما ان شركة "سبلين" للترابة فقدت علاقاتها الجيدة مع السوريين بسبب سياسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، تحاول "السبع" دخول السوق بقوة، ولأجل ذلك تريد مضاعفة انتاجها عبر بناء معمل اضافي في عقارات تابعة لها في شكا. ولكن لتحقيق هذا الهدف يقول المصدر، يجب تعديل عامل الاستثمار في المكان، أي تعديل المخطط التوجيهي للمنطقة الصناعية في منطقة شكا العقارية، وهذا ما دفع المسؤولين بالشركة للتقدم من وزارة الصناعة بطلب التعديل(1)، فقامت الوزارة بدورها بالطلب من وزارة البيئة أخذ القرار المناسب بشأن طلب شركة الترابة "السبع"، وهنا بدأت القصة.

احالت وزارة الصناعة الملف المتعلق بطلب شركة "السبع" للتعديل، الى وزارة البيئة، التي تؤكد عبر رئيس مصلحة تكنولوجيا البيئة بالتكليف ​سمر مالك​ أنّها اتبعت القوانين المرعية الاجراء، ولم تعفِ مقدّم الطلب من واجباته القانونية. واضافت مالك في حديث لـ"النشرة": "بالنسبة لطلب تعديل الترخيص الصناعي لمصنع الاسمنت بإضافة فرن ومطاحن ومداخن وإهراءات للاسمنت وأبنية مختلفة، فقد صدر عن وزير البيئة محمد المشنوق الكتاب رقم 1843/ب تاريخ 28/8/2014 الموجه الى وزارة الصناعة مصلحة الصناعة الاقليمية في الشمال، الرد الذي يتضمن ما مفاده ضرورة اجراء تقييم أثر بيئي وانتظار رد الوزارة بشأنه(2)"، وهنا تجدر الاشارة الى ان الموضوع الذي تبحثه "النشرة" لا علاقة له بهذا الطلب، انما بطلب تعديل عامل الاستثمار، ومن هذا المنطلق اشارت مالك الى انه بالنسبة لهذا الطلب، فقد سبق لوزارة البيئة ان توجّهت بكتاب الى وزارة الاشغال العامة والنقل طلبت بموجبه من الوزارة المعنية التشدد بطلب دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام بما فيها الاستثمارات او التنظيمات التي تطال منطقة لبنانية وذلك بعد صدور المرسوم رقم 8213 تاريخ 24 ايار 2012.

ولكن المفارقة هنا أن "النشرة" علمت من مصادر خاصة ان وزارة البيئة شكلت لجنة لدراسة ملف زيادة عامل الاستثمار للعقارات التابعة لشركة الترابة "السبع" مؤلفة من المهندس حسن حطيط والاخصائي سامي ابراهيم، ووضعت تقريرًا مفصلا بتاريخ 24 نيسان 2014 ، أشارت فيه الى انه لم يرد في حيثيات المشروع المقترح أي ذكر لمرسوم تقييم الاثر البيئي، وجاء في اقتراحها: "نظرا لوجود مؤسسات صناعية مصنّفة من الفئتين الاولى والثانية قائمة وتعمل في تلك المنطقة، وهي من المؤسسات الكبيرة الحجم التي ينتج عنها حاليا ملوّثات بيئية ذات أثر كبير على البيئة المحيطة، وحيث ان اي تعديل يتعلق بزيادة عوامل الاستثمار في هذه المنطقة سيؤدّي حتما الى زيادة الثقل البيئي فيها وسينتج عنه انعكاسات سلبية بيئيّة تضاف الى التلوث الحاصل حاليا فيها، وخصوصًا نتيجة التوسع العمراني في المنطقة الذي أدى الى تقليص المسافة الفاصلة بين المنطقة الصناعية والمناطق والتجمعات السكنية، واستنادا الى المادة الرابعة من قانون حماية البيئة رقم 444 الصادر في العام 2002 التي نصت على انه "في اطار حماية البيئة والموارد الطبيعية على كل شخص طبيعي او معنوي عام او خاص ان يلتزم بعدد من المبادئ" التي تم تعدادها، تم اقتراح اعداد "دراسة تقييم اثر بيئي استراتيجي" لمشروع التعديل المقترح وذلك من قبل احدى الشركات المخوّلة اعداد هذا النوع من الدراسات، واحالة التقرير الى وزارة البيئة لابداء الرأي فيه.

وفي هذا السياق علمت "النشرة" ان المهندس حسن حطيط لم يوقّع على التقرير، وهو الذي سبق له وان شارك بأكثر من لجنة مشابهة ورفض التوقيع أيضا على كل التقارير التي كانت تشدد على ضرورة إجراء تقييم أثر بيئي للمشاريع، أو على التقارير التي "ترفض" أو تطلب "تعديلات" على المشاريع.

تم تحويل التقرير الى وزير البيئة محمد المشنوق، فوضعه حسب المصادر بدرج مكتبه، دون الطلب من الجهة المستدعية أي شركة "السبع" تكليف شركة من الشركات المخوّلة إعداد "تقييم الاثر البيئي" كما هو منصوص عليه في المرسوم 8213 عام 2012، لتكون المفاجأة في 28 كانون الثاني 2015، عكس ما تقول وزارة البيئة، فقد أرسل المشنوق الى وزارة الصناعة ردّه على كتابها السابق، واعتبر فيه حسبما علمت "النشرة" ان "التعديل المقترح محدود النطاق ولا يشمل مخطّطًا توجيهيا عاما شاملا، وبالتالي فإن وزارة البيئة لا ترى مانعا من الموافقة على مشروع المرسوم المقترح". ويعني ذلك حسب المصادر ان الوزير ضرب بعرض الحائط بكل ما يتعلق بالبيئة وبمرسوم تقييم الاثر البيئي وبيئة "شكا" واهلها التي تعاني الأمرّين جراء معامل الترابة فيها.

لن تدخل "النشرة" في أسباب قيام الوزير باتخاذ هذا القرار، ولكن هل سيقبل أهالي شكا تعديل مرسوم عامل الاستثمار؟ يؤكد رئيس بلدية شكا فرج الله اسكندر كفوري لـ"النشرة" ان بلديّته لن ترضى بأمر يكون على حساب الاهالي، مضيفا: "سنجتمع بوزير الصناعة حسين الحاج حسن لدرس الموضوع وسنعلّق عندها على كل شيء". وقد علمت "النشرة" ان وزير الصناعة أصدر قرارا بتاريخ 17 ايلول 2015 قضى بتأليف لجنة مختصة لمتابعة أوضاع مصنع الترابة "السبع" وعلى متنها السيدة سمر مالك، وقد حمل القرار الرقم 1201.

ليس الهدف محاربة الصناعة التي يشجعها الجميع، ولكن ان يكون التطور الصناعي على حساب البيئة فهذا يعني مزيدا من التدهور البيئي في لبنان وبالتالي مزيدا من الامراض والموت البطيء.

(1)طلب الموافقة على مشروع مرسوم تعديل عامل الاستثمار السطحي العام والارتفاع الأقصى للمخطط التوجيهي للمنطقة الصناعية في منطقة شكا العقارية.

(2)صدر في الكتاب: لما كانت الصناعة المرخصة خضعت لدراسة تدقيق بيئي بتاريخ 15/7/2013 وهي لا تزال قيد المعالجة والمتابعة، وحيث أن العقار موضوع الترخيص يقع ضمن منطقة يسمح نظامها بانشاء واستثمار جميع أنواع المؤسسات وفقا" للقوانين والمراسيم المرعية الإجراء بحسب المرسوم 716/2007، ولما كانت الاضافة المطلوبة تخضع لأحكام الملحق الأول من المرسوم 8633/2012 المتعلق بأصول تقييم الأثر البيئي، وبالتالي تستلزم حكما" تقرير تقييم أثر بيئي... إحالة تقرير تقييم الأثر البيئي الى الى وزارة البيئة لابداء الرأي به، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب في ما يتعلق بترخيص الإضافة المطلوبة، هذا وتطلب منكم وزارة البيئة عدم إعطاء الترخيص بالإضافة المطلوبة قبل أخذ موافقة وزارة البيئة الخطية بذلك.