تغيّرت المنطقة بشكل كبير واتسعت دائرة التعقيد بعدما ارتفعت وتيرة التهديدات الإرهابية في الغرب، الذي يحشد في هذه الأيام أساطيله وطائراته لضرب معاقل داعش بطريقة تنطوي على مفارقات لافتة، فهذا الغرب كان حتى الأمس القريب يُشبك جهوده لدعم هذا التنظيم الإرهابي ويُوفر له الدعم المادي والغطاء السياسي ليتمدّد في سوريا والعراق، ثم فجأة انتقل إلى جهة المقاتل له والمكافح أنشطته.

أليست داعش صنيعة التآمر الغربي والمال القطري والسعودي والدعم التركي؟ أليس هؤلاء جميعاً هم من فتحوا نار الحقد والفتن والتقسيم على منطقتنا لترتد هذه النيران عليهم؟

هذا الإرهاب ليس وليد الصدفة بل وليد هذه الدول التي ظنت أن بمقدورها صناعة الوحش ليفتك بمن يريد ثم القضاء عليه في مكانه، لكن تبيّن أنّ الوحش أفلت من مربّيه وصانعيه ليفترس كل من يجده أمامه.

لقد أخفت الحكومات الغربية عن شعوبها وعن الرأي العام كل الحقائق المتصلة بهذا الإرهاب. وما يحصل في سوريا وليبيا واليمن حتى باتت اليوم أمام مآزق القتال في عقر دارها.

ولذلك يجب أن يعلم الناس أنّ هذه الحكومات الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية هي من تسببت بكل هذه الفوضى والفتن في بلادنا واستغلال ما يجري لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية. لقد خدعوا شعوبهم وها هي النتيجة أمامهم ناصعة كعين الشمس.

وبينما هذا المشهد يؤرق واقعنا لفتني اجتماع القوى والفصائل الفلسطينية التي أكدت الدعم مجدداً لمسيرة المقاومين ولخيار المقاومة لتحرير فلسطين. فهذا الاجتماع الموسّع في أرض البطولة والفداء في أرض لطالما احتوت المقاومين على تلالها وأوديتها، فكانت وطناً لهم، وآمالهم، يريد أن يحفظ ألق الشهداء والمناضلين وكل مَن سار على درب تحرير فلسطين حيّاً مشعاً.

وبينما كانت التكسرات والخيبات والنكبات والنكسات تملأ دنيا العرب والمسلمين، كانت أرض لبنان ترفع رايات النصر والأمل واليقين بأنّ فجراً حقيقياً سيبزغ فوق قبة المسجد الأقصى ليمسح العتمة والكآبة عن هذا الشعب الذي تعلم أن يطوّع المستحيل، وأن يمزق كل خوف وأن يجعل من كل شهيد عرساً تتفتح فيه عروق البطولة وتُرفع فيه صواري النصر.

قديماً عندما كانت تختنق الأجواء بدخان الهزيمة التي أسموها زوراً مفاوضات التسوية كان المقاومون في لبنان يصعدون درج العشق نحو سماء فلسطين، وفي كل رصاصة من رصاصاتهم كانت فلسطين. لم يغب عن بالهم وهو يلوّنون التراب بلون دمائهم أنّ فلسطين هي شمس الحقيقة، وهي المنتهى، وهي رسالة الشوق التي تريد أن تقطع الحواجز فستبدل الضعف بالقوة، واليأس بالعزة، والاستسلام بالنبل والوفاء للقضية. المقاومة أرادت أن تعبر بالأمة إلى واقع جديد وعصر جديد ينزع فيها عن كل أردية الضياع والخداع في متاهات المتآمرين والمنافقين والأعداء والحياة المظلمة ويلبس فيها لباس الشرفاء الذين لا يجدون غير البندقية لكسر جبروت المحتلين الغاصبين.

ولا شك في أن هذه اللحظة الدقيقة من تاريخنا، عندما ندرك دوافع ما يحصل داخل فلسطين المحتلة والهوس المجنون لدى القيادة الإسرائيلية، وعندما نتوقف عند البيئة السياسية والأمنية في المنطقة والنزاعات المستفحلة فيها، لا يسعنا الاعتقاد إلا أن دورة جديدة من التآمر على فلسطين تجري على غفلة خطيرة.

وما نلاحظه نحن أنّ ما يجري داخل الساحة الفلسطينية يستلزم درجة عالية من المواكبة والمتابعة لأنّ نيات العدو الإسرائيلي وممارسته هي في تعقيد المشهد الإقليمي برمته، وهي في دفع الساحات العربية والإسلامية إلى مزيد من التناقض، وهي في إعادة إبراز الهويات الطائفية والمذهبية والعرقية، وهي في تيأيسنا كشعوب لنقع في مصيدة الموت السياسي والديني والحضاري وعلى رغم من الصدع العميق في أمتنا وما يطفو على سطح المشهد من توجهات إسرائيلية خطيرة، إلا أن أولويتنا كعرب ومسلمين وفلسطينيين ولبنانيين يجب أن تكون فلسطين، وبوصلتنا فلسطين.

إننا نراقب الهبّة الفلسطينية لحظة بلحظة وننظر إلى الأبطال في القدس وباقي الضفة بإكبار، ولكن في الوقت الذي نمتلئ بهذه الروحية الجميلة نحن وإخواننا داخل فلسطين، نرى أولاً ضرورة وقف التصدّع داخل القوى والمنظمات الفلسطينية إن كان بتأثير التخدير السياسي أو اليأس مما يجري في المحيط العربي أو بما ملأته السموم المذهبية في صدور المسلمين والفلسطينيين منهم لنزداد بعداً وانقساماً فيما بيننا جميعاً.

ونرى ثانياً، ضرورة مراكمة الجهود لإنجاز إطار جدي للتفاهم بين مختلف القوى لإعادة الزخم إلى العمل المقاوم والتحرك إعلامياً وسياسياً لنصرة إخواننا المنتفضين قبل أن تفتك أيادي الأعداء الماكرة، وألاعيب القوى الإقليمية والدولية المخادعة بالمعادلة الجديدة التي رسمها أبطال وبطلات الانتفاضة الحالية.

ونرى ثالثاً، أن يحافظ الفلسطينيون في لبنان، خصوصاً على وحدتهم وتضامنهم رفضاً لمشاريع التوطين التي تظهر ملامحها بقوة هذه الأيام من خلال التغيير الديمغرافي الذي يحصل في كل المنطقة ويتسرّب إلى لبنان، وأن يعتصموا بميثاق العودة كأحد المرتكزات الثابتة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على البناء النفسي والاجتماعي والسياسي للشعب الفلسطيني.

ونرى رابعاً، أنّ وعي الفلسطينيين لما يجري من مخططات تفجيرية وتقسيمية للأمة، من خلال الإرهاب التكفيري هو ضمانة لعدم انجرار الفلسطينيين إلى ما يسيء لوجودهم وقضيتهم وحقهم في فلسطين التاريخية.

ونرى خامساً، أنّ رفض الفلسطينيّين الأعمال الإرهابية الإجرامية التي يقوم بها بعض المنتسبين زوراً إلى الإسلام وتأكيدهم الوحدة بين الشعب الفلسطيني واللبناني هو الذي يفوّت على كل عدو متربص إضاعة القضية واختراع قضايا أخرى لا تمت لمصالح الفلسطينيين بصلة.

ونرى سادساً: أنّ اجتماع الفلسطينيين على خيار المقاومة هو العلة لإزالة إسرائيل. ولننظر جميعاً إلى المناورات التي أجرتها قوات الحرس الإيراني والتي تحاكي جنوداً يصعدون التلة التي فيها المسجد الأقصى لنعرف أنّ الأيام المقبلة حافلة بمفاجآت النصر. في الوقت الذي تخرّب فيه داعش صورة الإسلام وتُحرف المسلمين عن قضاياهم الحقيقية، ومنها القضية الفلسطينية، نجد الإيرانيين يصعدون درج العشق نحو سماء فلسطين!