هل تكون لقاءات باريس والرياض مرحلة عابرة في مسار الأزمة الطويل جداً والمرشح الى عمر مديد، أو إنها ستكون محطة مفصلية يترتب عليها حد من التحولات البارزة والمصيرية؟

السؤال يطرح ذاته بكثير من الجدية الوطنية.

بداية يجب الإنطلاق من أنّ أزمة لبنان ليست حال خاصة بوطن الأرز. فهي جزء «طبيعي» من أزمة المنطقة.

إلاّ أن هذا لا يعني أنّ إستمرار ارتباطها بالمنطقة هو قضاء وقدر. ذلك أن الحلول الجذرية في المنطقة ليست متوافرة في المستقبل المنظور، ولا يمكن أن تكون متوافرة على المستوى المتوسط، وفق ما تشير إليه القراءة المتأنية في التطورات المرشحة الى مزيد من «المفاجآت» مثل إسقاط المقاتلات التركية أمس من طراز (أف 16) مقاتلة سوخوي الروسية. وإذا كان مفترضاً تسوية هذه الأزمة بين موسكو وأنقرة بأقل قدر ممكن من الخسائر، فإن أحداً لا يمكنه أن يضمن أن تبقى أي مستجدات تحت سقف الضبط والإنضباط.

إذاً فإن استسلام اللبنانيين (ونعني القيادات وليس الشعب اللبناني المغلوب على أمره) إلى قضاء أحداث المنطقة وقدرها، بدءاً بما يجري في سوريا.... هذا الإستسلام يعني إستنفاد قدرات لبنان الوطني (الكيان والميثاق خصوصاً) واللبنانيين، استنفاداً متدرجاً ستكون تداعياته مدوّية في سقوط كامل، بدءاً بالهجرة (الشاملة هذه المرة وعابرة الطوائف). أضف أنّ المستجدات في سوريا والمنطقة قد ترشح الساحة الداخلية الى تطورات أمنية يحسب لها الحساب كثير من القيادات السياسية والأجهزة الأمنية لئلا يأتي إسقاطها من الحساب والتحوّط بسلبيات مدوّية!

من هنا ينظر اللبنانيون، عموماً، بالإرتياح الى اللقاءات التي عقدت في الأيام الأخيرة، من حيث المبدأ وليس من حيث التفصيل الذي لا يزال على قدر كبير من الغموض، خاضعاً للكثير من الإجتهادات والتفسيرات والإستنتاجات، ما كان منها مصيباً أو ما كان يجانب حد الحقيقة والصواب.

وفي تقديرنا أن المطلوب، في هذه المرحلة بالذات، استمرار اللقاءات ثنائياً وثلاثياً وأكثر، وخصوصاً طاولة الحوار التي مهما تحوّلت الى منتدى لمناقشات عقيمة ولبعض الآراء السفسطائية، تبقى مهمة وعلى قدر كبير من الأهمية... أقله لأنها تشكل جامعاً مشتركاً (ولو في المكان والزمان) بين أطراف بلغ الخلاف العمودي الحاد بينهم حد عدم الإتفاق على شيء، ومع عدم توقعنا الكثير (ولا حتى القليل) من النتائج «العملية» لطاولة الحوار في الإجتماع المقرر اليوم، فإننا نشد على يد الرئيس نبيه بري راغبين إليه مواصلة هذا المسعى الذي يشكل الظاهرة الجامعة الوحيدة في هذه اللحظة الحرجة.

وكان لافتاً البيان الصادر عن مكتب الرئيس سعد الحريري عن لقائه النائب وليد جنبلاط حول ضرورة توسيع اللقاءات وشموليتها... هذا في حد ذاته عنصر بارز لا يمكن تجاهله، على أمل أن ينبثق بصيص نور ما في قضية ما وفي مكان ما... عملاً بالمثل الفرنسي الذي يقول: «من النقاش - يُفهم الحوار - ينبثق النور».

صحيح أن الظلمة دامسة إن في لبنان أو في المنطقة، إنما لا بدّ من أن ينبلج النور في آخر النفق.

ولا بدّ لهذا الليل من آخر.