يرصد أهل السياسة بمختلف أطيافهم الحراك السياسي الدائر في باريس والرياض ومحوره الاستحقاق الرئاسي في ضوء الاجتماع المفاجئ الذي ما زال طي الكتمان بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية وما بدأ يُشاع على إثره عن تسوية تتم حياكتها بعناية فائقة توصل الثاني إلى قصر بعبدا والأول إلى السراي الكبير.

وإذ كان هذا الحراك قد ضخّ موجات تفاؤلية على ضفّتي 8 و14 آذار في إمكانية ولوج الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب ومنه إلى الاستحقاقات الأخرى كون أن أي اتفاق أو تفاهم لن يكون إلا على سلّة واحدة باعتبار أن كل الاستحقاقات مترابطة مع بعضها البعض، فإن أوساط سياسية دعت إلى التريّث وعدم الإفراط في التفاؤل كون أن الأزمة السياسية التي تضرب لبنان منذ سنوات وكانت سبباً في حدوث الفراغ الرئاسي وإصابة المؤسسات الدستورية بالشلل من غير الممكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها، بل إن الوصول إلى هذه الغاية يتطلب الكثير من الجهد والأخذ والردّ بالإضافة إلى توافر العوامل الإقليمية والدولية التي لها الحصة الأوفر في حياكة أي حلّ محتمل، وهو ما يعني أنه من المبكر الحديث عن إمكانية أن تصبح التسوية الشاملة في لبنان في قبضة اليد.

وفي تقدير هذه الأوساط أنه لا يمكن عزل أي مسعى لملء الفراغ الرئاسي عن الكثير من الأمور المحيطة به، وهي تسأل ما إذا كانت الظروف المحلية والإقليمية وكذلك الدولية مهيّأة لمقاربة الانتخابات الرئاسية أو غيرها من الملفات الخلافية المفتوحة، مشددة على أن أموراً كثيرة يجب توفّرها قبل الحديث عن إسم الرئيس العتيد ومن إبرزها: عودة سريان الدماء في شرايين العلاقات الإيرانية - السعودية، تحديد حزب الله موقفاً واضحاً من مرشحه ميشال عون، قبول كل أطياف 14 آذار بأن يكون الرئيس من الفريق الآخر، وكل هذا من غير الممكن حصوله في وقت قريب، وهو ما يعني أن الحديث عن قرب الوصول إلى حل شامل للأزمات الداخلية غير دقيق ما لم نقل مستحيلاً.

وتؤكد هذه الأوساط السياسية أن أي تسوية من النوع الذي يتم الحديث عنها تحتاج إلى تنازلات، فهل الأفرقاء السياسيون على استعداد لتقديم تنازلات، فعلى سبيل المثال ماذا لو طُلب من «حزب الله» التخلّي عن ترشيح عون، فهل هو على استعداد لاتخاذ مثل هذه الخطوة في هذه الظروف؟ وهل يقبل سمير جعجع بوصول فرنجية إلى القصر الجمهوري؟ بالطبع لا، لذا فإنه من السذاجة القول بإمكانية الوصول إلى تفاهمات سياسية في القريب العاجل ما دامت كل المناخات التي يجب أن تتوافر لذلك ما زالت بعيدة المنال.

وفي تقدير الأوساط أن ما يتم تناقله عبر الإعلام وفي بعض المواقف مبالغ فيه، ولو كان هناك بارقة أمل حقيقية حول ما يُحكى لما كان أصحاب الشأن تكتّموا إلى هذا الحدّ على ما يدور من نقاش، ولما كانت بعض القوى المؤثّرة قد لاذت بالصمت ولم يصدر عنها أي موقف سلبي أو إيجابي حول ما يتم تداوله، كل ذلك يجعل كفّة التكهنات هي الراجحة على الواقع وهذا ما يدعونا إلى الانتظار والترقّب ريثما تنجلي الصورة أكثر، حيث أن الإيجابيات التي برزت بعد كلام السيّد حسن نصر الله وملاقاة الرئيس سعد الحريري له في نصف الطريق لم تخرج عن الطور الكلامي ولم يسجل أي شيء على المستوى العملاني مما يُؤكّد بأن الأمور لم تنضج بعد وما تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت.

وفي هذا السياق فإن مصادر وزارية تكشف بأن من طلب اللقاء في باريس هو النائب سليمان فرنجية فبعد ان شعر رئيس تيّار المردة بأن حظوظ العماد ميشال عون في الرئاسة تتراجع، وأن الخيار انتقل من الأقطاب إلى الوسطين، اغتنم الفرصة وطرح نفسه مرشحاً ولو بشكل غير علني، فما كان من الرئيس الحريري الا ان تلقف فكرة اللقاء الذي يحقق له جملة أهداف من بينها: إيجاد مساحة للتحرك السياسي حول الرئاسة في موازاة التحرّك الذي يقوم به الرئيس نبيه برّي على طاولة الحوار.

وترى المصادر ان الرئيس الحريري لا يرى ضرراً في فتح قنوات التواصل مع الفريق الآخر حول الملفات الداخلية، من دون ان يقطع على نفسه أي قرار نهائي احادي بل انه يحرص على التشاور مع الحلفاء من دون ان يتجاوز الموقف السعودي المحوري في هذه الأمور، كما هي إيران بالنسبة للفريق الآخر، ولذا فإنه من المبكر الحديث عن تأييد الحريري لفرنجية لوصوله إلى بعبدا، فالظروف غير ناضجة بعد لانتخاب رئيس لأن المعادلات الداخلية والخارجية ما تزال على حالها ولم تتغير، والاولوية بالنسبة لدول القرار ما تزال خارج لبنان.

وفي اعتقاد المصادر ان الطريق إلى قصر بعبدا غير معبدة بالورد للنائب فرنجية، فهناك عوائق كثيرة تعترض سبيله منها ان فريق الرابع عشر من آذار لا يعتبر فرنجية جزءاً من الثامن من آذار وحسب بل انها تعتبره مرشّح الرئيس السوري بشار الأسد ومن هذه الزاوية فإن فريق 14 آذار يفضل ألف مرّة ان يكون ميشال عون في قصر بعبدا على ان تكون الكرسي الرئاسي من حظ فرنجية.

غير ان المصادر لا تستبعد هذا الأمر في حال واحدة تتمثل بحصول تسوية شاملة في المنطقة من ضمنها حكم انتقالي في سوريا يستبعد الرئيس الأسد عن السلطة يقابله وصول النائب فرنجية إلى قصر بعبدا، وهذا السيناريو دونه صعوبات ويحتاج إلى الكثير من الوقت من دون الجزم بحتمية حصوله، وهذا ما يبقى على الحراك السياسي الموجود في دائرة تحريك الموضوع الرئاسي من دون ان يحرك الانتخابات الرئاسية.