في زمن الارهاب لا صوت يعلو فوق صوت «المحكمة العسكرية»، رغم السهام التي تُصوّب عليها الى حد المطالبة بإلغائها. القضايا التي تمسّ الأمن القومي للدولة، وهي كثرت في السنوات الأخيرة، تُحال حصراً إليها، حتى باتت قاعتها «تستضيف» ما يزيد على مئة قضية في اليوم!

«الاقبال» على المحكمة العسكرية دفعها الى بدء جلساتها منذ العاشرة صباحاً لتمتدّ أحياناً كثيرة حتى التاسعة ليلاً: أكثر من خمسين جلسة من قضايا الجُنح، تليها الملفات الجنائية بالعشرات. البعض يطلق عليها «محكمة النجوم»، ليس لمثول «نجوم» الارهاب و»قادة المحاور» الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس أمامها فحسب، وإنما أيضاً لتحوّل بعض محاميها الذين يُداومون باستمرار «نجوماً» في التلفزيونات والصحف. رئيسها العميد الطيار خليل ابراهيم لا يملّ من الاستماع إلى عشرات الموقوفين يومياً. يلقبه المحامون بصاحب «الذاكرة الحديدية»، لحفظه ملفات الاستجواب أكثر من بعض وكلاء الموقوفين الذين يحفظ أسماءهم وألقابهم وأدق التفاصيل في ملفاتهم. أمّا بعض قضاة النيابة العامة العسكرية الجالسين الى يمين القوس، فغالباً ما «يضوجون» من كثرة الملفات وطول الساعات التي يقضونها على الكرسي نفسه. فلا يستريحون إلا لنصف ساعة، عند الرابعة تقريباً، في موعد جرى التعارف على أنّه وقت «ديليفري الغداء».

بين و عالجت المحكمة ملفات في قضايا إرهاب فقط وأصدرت هيئتها حُكماً. ومنذ اندلاع الأحداث السورية شهد عدد الملفات التي تنظر فيها المحكمة ارتفاعاً صاروخياً. إذ نظرت في ملفاً وصل عدد الموقوفين المدعى عليهم في بعضها إلى أكثر من موقوف (في ملف أحداث عبرا، مثلاً، استمعت هيئة المحكمة إلى إفادات مدعى عليهم دفعة واحدة). وأصدرت خلال هذه الفترة حُكماً في ملفات إرهاب استثنائية.

في عام تولّى العميد الطيّار خليل ابراهيم رئاسة المحكمة التي لا ينص القانون على أن يكون رئيسها مجازاً في القانون، بل يشترط أن يكون ضابطاً برتبة مقدم وما فوق. علماً أن ابراهيم سبق أن عمل مستشاراً في محكمة التمييز لسبع سنوات. وهو «ورث» نحو ملف قيد التداول. عام ، ورد إلى المحكمة ملفاً وخرج منها ملفات، أي إنها أنجزت نحو ملف إضافي على تلك التي نظرت فيها، كما وردت اليها في الفترة نفسها ملفات جنايات وأصدرت هيئتها حُكماً، أي ما نسبته في المئة من الوارد. وفي ، ورد الى المحكمة ملفاً، أصدرت أحكامها في منها، من بينها جناية. وفي ، نظرت في قضية وأصدرت حُكماً من بينها جناية. وفي العام الجاري، نظرت المحكمة حتى تشرين الأول الماضي في ملفاً من بينها جناية، وأصدرت أحكامها في قضية من بينها جناية منها. وبالتالي، يُصبح المجموع العام للأحكام الواردة في السنوات الأربع الماضية ملفاً.

وعلى عكس المتداول عن المحكمة العسكرية في معرض مقارنتها بالمحاكم المدنية، فإن الموقوفين أمامها يُمنحون كامل الحق بالدفاع عن أنفسهم أثناء الاستجواب، ولا يُقبل استجواب موقوف من دون حضور وكيله في القضايا الجنائية. وهي باتت، من ناحية السرعة، تتفوّق على المحاكم المدنية التي تطول فيها المحاكمات لسنوات، إذ إن ملفات أحداث التبانة ــــ جبل محسن، مثلاً، ومجموعها نحو ، أُنجزت خلال سنة ونصف سنة.

الغلبة للقضاة المدنيين

ورغم اسمها، تضم المحكمة العسكرية قاضياً مدنياً في مقابل ضباط فقط. أما سلطات الملاحقة فيها فمن صلاحية القضاء المدني، سواء النيابة العامة العسكرية أو قضاة التحقيق. والأمر نفسه ينطبق على محكمة التمييز العسكرية، إذ لا علاقة لها بالعسكرية إلا من حيث المستشارون، لأنّ رئيسها مدني. ولدى بت إخلاء سبيلٍ ما، توجّه أصابع الاتهام الى رئاسة المحكمة بسبب عدم الفصل بين قاضي التحقيق والنيابة العامة ومحكمة التمييز، لتوضع هذه السلطات الثلاث في سلّة واحدة، فيُحمّل رئيس المحكمة وزر كل ما ينتج منها، علماً أن لا علاقة له سوى بالأحكام العسكرية، كما أنّ المشرّع منع رئاسة المحكمة من مراجعة قرارات إخلاءات السبيل التي تبتّها محكمة الجنايات، ليُصبح مفوّض الحكومة لدى المحكمة وصيّاً لجهة مراجعة القرار، فينظر أو يُميِّز. ويؤخذ على «العسكرية» أنّها لا تُعلّل أحكامها، إنما تستعيض عن التعليل بأسئلة تُغطي الحيثيات، فضلاً عن غياب إمكانية الإدعاء في الحق الشخصي أمامها.