إذا لم يكن من فضل للقاء الحريري - فرنجية سوى تحريك المستنقع الآسن الذي تنمو فيه طفيليات السياسة اللبنانية وسائر جراثيمها وميكروباتها، فإنه يكون قد حقق شيئاً ما.

لقد كان الركود السياسي الحقيقي سمة المرحلة... والمرجّح أنها مرحلة طويلة ومستمرة وليس فيها ثمة إنفتاح في أفق مغلق. فجاء هذا اللقاء الباريسي ليبث فيها بعضاً من حراك. ويبعث بعضاً من حيوية، وأقله يثير كثيراً من الأسئلة، ولو كان الغموض لا يزال عنوان اللحظة.

نحن لا نزعم ان ما جرى من محادثات بين سعد الحريري وسليمان فرنجية سيشيل زير الرئاسة من بئر الأزمة خلال ساعات أو أيام. فالبئر عميقة جداً، وحبال الإنقاذ غير متوافرة، وإذا ما توافر بعضها فهو أقصر من أن يصل الى قعر البئر!

أجل، لسنا ندّعي ذلك، إلاّ أننا نرى ملامح حراك نبادر الى القول إنه لم يتبلور بعد عن وضوح بيّن، إلاّ أنه في كل حال، كان كفيلاً أن يدفع الى السطح بهذا السجال الحاد المعلن داخل فريق 14 آذار، يوازيه سجال لا يقل حدة داخل فريق 8 آذار.

فرنجية قال، أمس، اثر إنتهاء جلسة الحوار النيابي: «حتى الآن هذا الطرح لا يزال في الكواليس، وهو طرح جدّي لكنه لايزال غير رسمي، ونحن نثق بالفريق الآخر. وعندما يصبح هذا الطرح رسمياً سنبني على الشيء مقتضاه».

مكرراً أن مرشحنا الأول هو العماد ميشال عون.

إلاّ أنّ المنطق يقتضي سرد الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى: إن فرنجية «حليف استراتيجي» (وفق تعبيره) للرئيس بشّار الأسد، وهو بالتالي يلتزم «الخط» (والتعبير له أيضاً) الذي يعتبر بشار محوراً بارزاً فيه.

وعليه فإنّ التعامل مع فرنجية، رئيساً أو نائباً كما هو الآن، لا يمكن أن ينطلق إلاّ من هذه الحتمية.

الثانية- إن الأمين العام لحزب اللّه، الذي هو رأس «الخط» و «الاستراتيجية» في لبنان يرشح العماد ميشال عون. ومن هنا يُفهم إصرار فرنجية على القول إن مرشحه، هو أيضاً، لا يزال الجنرال.

الملاحظة الثالثة - لاشك في أن سليمان فرنجية «مرشح طبيعي» للرئاسة، هذا أمر مفهوم ومعلوم. ولكنه لم يعلن ترشحه حتى الآن. وفي المعلومات أنه لن يعلنه إلاّ إذا أصبحت الظروف «ملائمة» للنجاح. وما لم يعلن فرنجية ترشحه فإن الطبخة الرئاسية لم تكن قد إستوت بعد! إن على صعيد فرنجية شخصياً أو على الصعيد الرئاسي العام...

وهذا الترشح ينتظر إعلاناً رسمياً من «الفريق الآخر» كما قال فرنجية أمس، أي أن يعلن الرئيس سعد الحريري الموقف.

ولكن هل يكون الإعلان «الرسمي» المنتظر تأييداً لإتخاذ فرنجية قراره بالترشح، أو يصدر القرار عن بيت الوسط، أسوة بما حصل يوم أعلن النائب في كتلة المستقبل، عمار حوري، انهم يرشحون العماد ميشال سليمان للرئاسة.

الرابعة - تجزم قيادات في قوى 14 آذار، وفي القوات اللبنانية تحديداً أن الشيخ سعد وسليمان بك عرضا للموضوع الرئاسي من باب «ضرورة» إجراء الإنتخابات وإنّ الأمر يبقى دائماً واقفاً عند النقطة المركزية الآتية:ليتفق المسيحيون والبقية تأتي. ويزيد «القوّاتيون»: لا شيء رسمياً بعد.

«ونحن لا ندعم أي مرشح لا يحمل أفكارنا. فالقضية ليست تسوية لمجرّد التسوية»!

قد يكون مبكراً تقويم لقاء باريس بشكل قاطع... ولا بدّ من إنتظار الأيام والأرجح الأسابيع الثلاثة المقبلة ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذا اللقاء.

علماً أنه يتردد أن فرنجية ليس في وارد الإنتظار الطويل عملاً بالمثل المعروف: «إذا باتت... فاتت».