بالنسبة إلى «حزب الله»، النائب سليمان فرنجية ليس كالعماد ميشال عون. الأوّل يريد «الحزب» إيصاله إذا استطاع ذلك. والثاني يريده مجرّد عنوان، وهو يحاذر إغضابَه كحليف لئلّا يخسرَه ويخسر معه الشريحة المسيحية التي يمثّلها.الأرجح أنّ فرنجية نفسه يدرك موقفَ «حزب الله» من عون في مسألة الرئاسة ويتفهَّمه. كما أنّ فرنجية حريص على بقاء عون في الحِلف الإيراني- السوري الذي هو جزء منه.

إذاً، في العلن، لن يتخلّى «حزب الله» عن ترشيح عون إلّا إذا بادرَ هو نفسُه إلى الانسحاب من المعركة وأراحَ «الحزب» من إحراجه. وحتى فرنجية، لا يريد إغضابَ عون. ولذلك، هو يحرَص على التعاطي الحذِر مع طرح اسمِه للرئاسة. وهو سارَع بعد جلسة الحوار الأخيرة إلى تأكيد أنّ عون ما زال مرشّح 8 آذار.

وفي أيّ حال، ليس فرنجية سريعَ التصديق كما كان عون خلال مفاوضات باريس- روما- الرياض. وهو ينظر بحَذر إلى إمكان اعتماده، فجأةً، مرشّحاً رئاسياً يتبنّاه «المستقبل» والسعودية و14 آذار.

فالرَجل يمتلك من المعلومات والمعطيات الإقليمية والدولية والداخلية ما لا يمتلكهُ عون. بل إنّه، بالتأكيد، أكثر اطّلاعاً على إمكانات حصول الانتخابات الرئاسية من الحريري نفسِه وسائر قوى 14 آذار، لأنّه جزء من الحلف الإيراني- السوري الذي يعطِّل الانتخابات، وعمادُه الأساسي «حزب الله».

وفرنجية ليس مجرّد صديق لهذا الحلف، يَجري وضعُه في الأجواء أو يتمّ تجاوزه أحياناً، كما هو حال العماد عون، بل هو في صميم القرار. وحلفاء فرنجية، و»شقيقه» الرئيس بشّار الأسد، يَعتبرون آل فرنجية جزءاً أصيلاً من الحلف، حتى قبل أن يتأسّس «حزب الله».

إذاً، يريد «حزب الله»، حتى النهاية، أن يوحي لعون بأنّه لن يتخلّى عنه لمصلحة أحد، ولو لفرنجية، كي يضمنَ استمرار التمتّع بالتغطية المسيحية. فالقطب الزغرتاوي لا يستطيع تأمينَ تغطية مسيحية تتجاوَز منطقته، كما هو حال عون.

ولكن، بالتأكيد، يرَحِّب «الحزب» والأسد ببلوغ فرنجية موقعَ رئاسة الجمهورية. وثمّة مَن يعتقد أنّ إقناع الخصوم بوصول فرنجية أسهلُ من إقناعهم بوصول عون. فـ«المستقبل» والنائب وليد جنبلاط أكثر تقبّلاً له، و»القوات اللبنانية» والكتائب ربّما يفضلان فرنجية على عون، إذا كان الخيار إجبارياً بين الرَجلين.

لكنّ السؤال: هل هناك حظوظ حقيقية لوصول فرنجية في هذه الظروف؟

ثمّة مَن يعتقد بأنّ الانتخابات الرئاسية ما زالت بعيدة المنال. فالأجواء السائدة إقليمياً نقيضة لتلك التي جاءت بتسوية الدوحة. وكلّ ما في الأمر أنّ الفرنسيين والفاتيكان، ومعهم بكركي، يضغطون في اتّجاه ملء الفراغ الرئاسي، لأنّ لبنان يبقى الموقع الفرنسي الأهم في الشرق الأوسط بعد الهجمة الأميركية- الروسية- الإيرانية- التركية- الإسرائيلية على كياناته.

ويريد الإيرانيون والسعوديون أن يُظهِروا تجاوبَهم مع الطرح. لكنّ «طبخة» الرئاسة لم تنضج فعلاً. ولذلك، كانت مبادرة السيّد حسن نصرالله، وردَّ عليها الرئيس سعد الحريري بسلسلة الإيجابيات التي انتهت بلقاء النائب سليمان فرنجية.

لكنّ الحريري يدرك أنّ حظوظ حواره مع فرنجية ليست أفضل من تلك التي سادت حواره مع عون قبل الفراغ الرئاسي. ومِن هنا الصمت السائد في معراب. فلا حاجة إلى رفع الصوت ضدّ تسوية ليست في وارد الحصول، لأنّ الحريري أيضاً لن يتخلّى عن حلفائه المسيحيين، كما «حزب الله».

وفي لغةِ الأرقام، لا يمكن انتخاب فرنجية ما لم يتأمّن حضور الكتَل الكبرى، كـ»التغيير والإصلاح» و»الوفاء للمقاومة»، أي أولئك الذين يقاطعون اليوم. وهذا يعني أنّ انتخابه مستحيل إذا لم يتخلَّ «حزب الله» عن عون، وتالياً إذا لم ينسحب عون تلقائياً من المعركة، وهذا احتمال شِبه معدوم.

كما أنّ الحريري لن يتحدّى رفاقه المسيحيين ويُسقِط 14 آذار لا لشيء إلّا لإيصال «شقيق الأسد» بكامل برنامجه وتحالفاته. وإذا كان الحريري قد رفضَ تبنّي عون لعدم اقتناعه بأنّه توافقي، فالأحرى أنّه لن يتبنّى فرنجية الذي لا يدَّعي أساساً بأنّه توافقي، بل يفاخِر في انتمائه إلى «الخط».

وفوق ذلك، إنّ الكلام على صفقة تأتي بفرنجية إلى رئاسة الجمهورية مقابل الإتيان بالحريري إلى السراي ليست واردة إطلاقاً، لأنّ الحريري لن يعود ما دامت المعطيات الأمنية التي أبعَدته قائمة. ولو كان مجيئه إلى السراي وارداً، لكان اليوم في محلّ الرئيس تمام سلام. فالصفقة المتداولة اليوم كان عرضَها عون منذ زمن: الحريري في السراي وعون في بعبدا.

في الخلاصة، حاوَل «حزب الله» أن يلعبَ ورقة فرنجية، فـ«يغار» عون ويحدُّ من دَلالِه أمام «الحزب». وتتحرّك الانشقاقات داخل 14 آذار.

وكذلك، حاول الحريري لعبَ ورقة فرنجية لغايات مماثلة: «تأديب» الحلفاء المسيحيين وإثارة التوتّرات بين فرنجية وعون.

الطرفان الشيعي والسنّي يدركان أنّ التسوية حول الرئاسة لم تنضَج، وأنّ الحدّ الأقصى من التوافق هو الإدارة المتعثّرة للأزمات.

ويبقى استنتاج واحد «مسيحي»: إنّ رئاسة الجمهورية هبَطت إلى مستوى المساومات الساذجة. فالرئيس المفترَض للبنان سيمرُّ بامتحانات عربية وإقليمية، ويَحظى بالرضا لدى هذا الزعيم الطوائفي وذاك. فأيّ رصيد لهذا الرئيس الآتي «من تحت»؟

وفي الوقت الضائع، جرى إحراق القطب الرابع، بين الأقطاب المسيحيين الأربعة الذين اختارتهم بكركي ذات يوم ليقرّروا شؤونَ الرئاسة، فإذا ببعضِهم يتهافت للحصول على قراره من الآخرين.

وأمّا الآن، وبَعد احتراق «الأقطاب»، فتِّشوا عن الرئيس المشغول تسوَوياً... عندما يحين أوانه طبعاً!