لا يزال الاشتباك السعودي مع محور المقاومة على أشدّه، فروح العداوة والثأر هي الغالبة عند السعوديين. لا يد ممدودة في الأفق، والرعونة التي يحكمها التصريح شبه اليومي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول سورية في دعم وإمداد الإرهابيين، وفي ما يسمّونه "حتمية رحيل رأس النظام السوري" سواء بحلّ سياسي أو عسكري، ستبقى سيدة الموقف في هذه المرحلة.

في رسالة سعودية جديدة إلى الداخل اللبناني في هذه اللحظة، صنّفت المملكة العربية السعودية أسماء قياديّين ومسؤولين من حزب الله كـ"إرهابيّين" على خلفية مسؤولياتهم عن عمليات في أنحاء الشرق الأوسط، كانت الأسماء عينها المطلوبة على اللوائح الأميركية والإسرائيلية.

وأوضحت وزارة الداخلية السعودية في بيان لها "أنّ المملكة ستواصل مكافحتها للأنشطة الإرهابية لحزب الله بالأدوات المُتاحة كافة".

وبذلك تكون المملكة قد نقلت التصعيد إلى ذروة جديدة، علماً انّ قرارات كهذه كما بات معروفاً تؤدّي إلى لامكان.

يأتي توقيت هذا التصنيف بعد أيام قليلة من لقاء رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في باريس، وما قيل عن غطاء ملكي سعودي لرئيس التيار الأزرق في خطوته اتجاه "بيك" بنشعي. هذا التوقيت يثير أسئلة وعلامات استفهام عن طبيعة ما يريد السعودي إرساله، فهو بعث بإشارة بالغة السلبية لنتائج لقاء الحريري – فرنجية في باريس.

اعتقد البعض لبنانياً أنّ هناك بداية تفاهم سعودي – إيراني حول لبنان، أو محاولة لتحييد لبنان عن نار الاشتباك بين الطرفين، فأتى قرار مملكة آل "سعود" ليخيّب آمال المتفائلين برهانات واهمة كهذه. فهم البعض خطأ سكوت الإيرانيين بعد العثور على جثة السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي المفقود منذ حادثة منى في السعودية، واعتبر ذلك بداية انفراج في الأجواء الإيرانية – السعودية الملبّدة، في حين أنّ الإيراني يعتبر أنّ ما حصل من تأخير في تسليم الجثة، محاولة سعودية واضحة لقتل الدليل البيولوجي بعد هذا الزمن المتأخر والذي يريد إخفاء أيّ عملية تصفية قد يكون ركن آبادي تعرّض لها بعد خطفه من قبل ثلاثي الأطراف (الإسرائيلي – الأميركي - والسعودي).

تستطيع المملكة السعودية في أيّ وقت تختار ربطاً بسياساتها المعلنة أن تسمّي من تشاء من حزب الله وتوصمه بالإرهاب، لكن الغريب في الأمر أنّ الهدف الذي أرادته عبر النسخة العنيفة المتضمّنة لأسماء من الحزب وآخرين فقط لأنهم شيعة على غرار رجل الأعمال قاسم حجيج قد يعيد خلط الأوراق لبنانياً.

يظهر بيان وزارة الداخلية السعودية التناغم بين الرياض وبين جدول أعمال الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائهما الأخير في واشنطن، والذي كان حزب الله جزءاً منه، ما يوضح أنّ القرار السعودي يأتي شريكاً ومكملاً للموقف الإسرائيلي، وهذا يعدّ فخراً لحزب الله وعاراً على المملكة التي تجاوبت سريعاً مع قرار مجلس الشيوخ الأميركي الذي يعبّر في الوقت نفسه عن موقف الكنيست الإسرائيلي، وتناغمت معه إلى حدّ كبير، فترجم الوكيل خطوات الأصيل. ما طلبه نتنياهو من أوباما هو تشديد الضغوط على حزب الله، بخاصة أنّ كلّ الإجراءات التي اتخذها الغرب حتى اليوم، لم يكن لها أيّ مفعول يُذكر، ودعوة كلّ الدول التي تدور في الفلك الأميركي إلى العمل ضمن أوركسترا واحدة في محاربة حزب الله، واللجوء إلى التشويه الأخلاقي لصورته في بلدان العالم.

سارعت الرياض إلى ملاقاة اللوبي الصهيوني الذي يعمل على أولوية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وإفساح المجال أمام الإرهابيين لضرب سورية، العمق الاستراتيجي للمقاومة، وسبق ذلك نشر جريدة "المستقبل" لأسباب "وطنية سعودية صرفة" ترجمة لكتاب الباحث ماثيو ليفيت "البصمات الدولية لحزب الله اللبناني" التي يزعم الكاتب فيه أنّ حزب الله يحيك المؤامرات في أوروبا.

أما مسألة العقوبات وكيف ينظر إليها، فإنّ حزب الله ذيّل البيان الصادر عن كتلة الوفاء للمقاومة عقب الاجتماع الأسبوعي برئاسة النائب محمد رعد "أنّ قرار السعودية الذي يستهدف حزب الله هو استجابة سريعة للإملاءات الأميركية".

يملك حزب الله من خبرة التعاطي مع مظلوميات سابقة "إسرائيلية" وأميركية وأوروبية وسعودية، ما يجعله يفخر بدوره المقاوم الذي يستدعي عداوات هؤلاء، وإنْ كان ينطبق على المملكة القول: "ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة"...