متماشية مع نصيحة وجّهها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اللبنانيين في عيد الاستقلال بأنه الوقت المناسب لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، انطلقت قوى الرابع عشر من آذار، برئاسة سعد الحريري بشكل مكثف نحو هدفها المتعدِّد الحسابات والرسائل بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية بشكل غير مفهوم، وقد ترافق ذلك مع بثّ أجواء تفيد بأنّ هذا الترشيح قد صدر مباشرة عن الملك السعودي، عبر نجله ولي ولي العهد محمد بن سلمان.

لقاء جرى بين الحريري وفرنجية في فرنسا، وبين التأكيد والنفي كان الخبر كافياً ليشغل بال الأفرقاء جميعاً في لبنان، ويضع البلاد أمام متغيّر مقبل وتحوّل في العلاقات بين بعض الأحزاب، بحسب ما أرادت الأطراف المسوِّقة لترشيح فرنجية.

خلال أسبوع، بات اسم فرنجية متقدِّماً على بقية المرشحين، ودخلت البلاد في إطار التّشاور على المعادلة السياسية المقبلة للوصول إلى حلول تكسر الجمود الطاغي عبر نقاشات تحصل على ضفّتَي 8 و14 آذار، بشكل نشط. وفي هذا الإطار، التقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بالحريري، وقبله التقى الأخير بجنبلاط وصدر عنهما ما سُمّي «نية التوصل إلى تسوية وطنية ميثاقية جامعة».

اللعبة السياسية الداخلية تحتّم الأخذ بعين الاعتبار النفوذ السعودي في لبنان وتوازناته المرتبطة بالمنطقة أيضاً، ولا يمكن اعتبار أي خطوة بهذا الحجم من 14 آذار خطوة غير مباركة سعودياً ومحسوبة النتائج. وبغضّ النظر عن جدية السعودية في هذا الخيار من عدمه، يكفي النظر إلى سلوك المملكة تجاه الملفات الإقليمية الكبرى وأكثر ما يعنيها الملف اليمني الذي تصرفت فيه بغرابة شديدة ديبلوماسياً، بعدما كانت قد أوحت بأنها دخلت المفاوضات في جنيف في شهر أيار حتى نسفت كلّ شيء واستكملت الحرب على اليمنيين، وعلى هذا الأساس على اللبنانيين استشراف المرحلة المقبلة التي يمكن أن تطلب من السعودية نسف خيار فرنجية مجدّداً، نتيجة لأيّ عامل يطرأ على الساحة السورية فتعود قوى الرابع عشر من آذار أدراجها وتتخلى عن ترشيح فرنجية الذي لا يمكن اعتباره ترشيحاً جدياً من السعودية، إذا تمّ الأخذ بعين الاعتبار دقة ومعاني هذا الترشيح كاسم مقرب جداً من الرئيس السوري بشار الأسد الذي لا تزال الخارجية السعودية ترفض القبول بأي دور مستقبلي له في سورية، فكيف بفرنجية الذي يعتبر من الأصدقاء الشخصيين الذين يدعمون موقف الرئيس الأسد وموقف حكومته وجيشه بالمبدأ وهو غير المستعدّ أصلاً للتنازل عن ثوابت كان هو أول من أعلنها منذ بداية الأزمة السورية!!

وعليه فإنّ ترشيح سليمان فرنجية سعودياً غير الجدّي منطقياً، ليس إلا خط عبور للدخول في التسوية المقبلة والتي لا تزال بعيدة اليوم جراء التعقيدات الكبرى في الأزمة السورية عبر تهيئة أرضية من اختلال التوازنات السياسية في لبنان قبل أي طرح وموقف ثابت منها، وبالتالي فإنّ لترشيح فرنجية غايات شديدة الخطورة وتسجل انعطافة ذكية لقوى الحريري في مجال المناورات السياسية والحنكة في إدارتها لأسباب عديدة.

أولاً: إنّ ترشيح سليمان فرنجية رسمياً أو الإيحاء، عبر العمل جدياً بتكثيف اللقاءات بين قوى الخصوم هو استدراج لقوى 8 آذار نحو موقف محرج في أي محاولة جدية لتلقف المبادرة يقدمها على أنها مستعدة للمساومة على العماد عون باسم مرادف له بالموقف تجاه سورية وحزب الله وهنا بيت القصيد، فتبدو قوى الثامن من آذار غير ثابتة على ترشيح عون المطلق الذي تحدث عنه حزب الله مراراً وعن استحالة تخطي الحزب رغبة العماد عون. وهنا تدرس قوى 14 آذار ومن ورائها السعودية التالي: «إذا كان حزب الله قادراً على التفاوض على اسم عون بفرنجية، فهذا يعني أنه غير متمسِّك بعون، كما أُشيع وأن ليست لديه ثوابت مطلقة، وبالتالي فإنّ من الممكن رفع آمال التفاوض على اسم آخر غيرهما يأتي في وقت يمدّ حزب الله اليد فيه للوصول إلى تسوية سياسية.

ثانياً: إنّ طرح اسم فرنجية اليوم وما يمكن أن يشكله ذلك من شرخ بين التيار الوطني الحر وتيار المردة سينتج أجواء سلبية انتخابياً وقد يؤثر جدياً على الصوت المسيحي في بعض المناطق للطرفين، ومن هنا فإنّ أيّ محاولة سعودية أو داخلية لكسر التوازنات المسيحية في قوى 8 آذار التي تبدو أكثر وحدةّ من قوى 14 هي لعبة شديدة الخطورة، ولا يمكن أن يغفل عنها أي من عون وفرنجية، خصوصاً في معرض إدراكهما لارتباط الرئاسة اللبنانية بشكل وثيق بالمعطيات الإقليمية. وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار أنّ العماد عون قد شعر بجدية هذا الطرح أو أبرز أي قلق تجاهه كما يبدو، أما واقعاً فلا يمكن لقوى الرابع عشر من آذار تقييم أو تبني أي موقف للثامن من آذار جدياً ورسمياً من دون صدور موقف واضح من حزب الله يتبنى ترشيح فرنجية ويعلن القبول بالتسوية.

إنّ توسيع الهوة بين الحليفين المسيحيين ليس من شأن حزب الله على الإطلاق، ولا هو الهدف الذي يتطلع إليه بل عكسه هو الصحيح، وحزب الله الذي لن يساوم على عون لن يساوم على استعمال اسم فرنجية أيضاً للتوصل إلى أفضل الممكن من التنازلات من حزب الله بالنسبة إلى حسابات السعودية الداخلية.