القنبلة السياسية التي "رماها" الرئيس سعد الحريري في مجالسه الباريسية وترددت اصداؤها في بيروت منذ ايام وما زالت تتفاعل، يبدو انها ليست دخانية هذه المرة او خلبية بل من النوع الفعال. وتمتاز هذه القنبلة انها من النوع المتطور وحشوتها الدافعة نفطية ملكية خضراء. وتؤكد مصادر واسعة الإطلاع ان لقاء الرئيس الحريري والنائب سليمان فرنجية بات مؤكداً وحصيلته صارت اليوم في متناول القوى السياسية كافة من دون الكشف عن الاطراف التي كانت تمتلك سر اللقاء قبل حدوثه ومن هي الجهات التي علمت فيه بعد ذلك. وتفسّر المصادر نفي الطرفين السريع بعد تسريب خبر انعقاد اللقاء الاسبوع الماضي حتى لا يفسّر في غير موضعه. في النهاية خدم تسريب خبر اللقاء الغاية المرجوة منه وهو إحداث هذه الصدمة الايجابية للبعض وسلبية للبعض الآخر. وتفيد المصادر ان تلقي كل الاطراف في لبنان خبر اللقاء والترشيح بشيء من الذهول او الاستغراب او التشكيك او الامتعاض او الترحيب، امر طبيعي بعد عام ونصف العام من انسداد الافق الرئاسي وبعد 4 اعوام وتزيد من الحرب الدائرة على سورية. وتضيف التسوية من ضمن السلة المتكاملة اذا ما كتب لها النجاح ستسوغ امر ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية ضمن السلة، وضمن التسوية التي اعلن عنها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالتيه الاخيرتين، ومن دارة الحريري من باريس.

وعليه تؤكد المصادر ان امر اعلان الحريري ترشيح فرنجية او تبني ترشيحه بات امراً محسوماً وقريباً وباتت مسألة ساعات قليلة قد تزيد قليلاً عن الـ48 ساعة وقد تزيد اكثر بقليل وهو بات امراً تقنياً بحتاً ومتعلقا بالحريري نفسه ومسألة اعلانه ومكان اعلانه. فهل يعود الى بيروت ليعلنه من بيت الوسط ام يذهب فرنجية الى الرياض ويلتقي بالحريري ليعلن الترشيح من هناك؟ وهذا للتدليل على ان الرضى السعودي موجود وان الضوء الاخضر منح منذ اسابيع من القيادة السعودية للحريري للسير بالتسوية الكاملة مع الطرف الآخر. وان جهوداً بذلتها شخصية مقربة من الحريري بالتشاور مع السفير السعودي في بيروت لتسويق الطرح بين بنشعي وبيت الوسط.

وتشير المصادر الى ان الاجواء نفسها التي واكبت تشكيل حكومة تمام سلام منذ عام ونصف واكثر بقليل هي نفسها اليوم، ويبدو ان القوى الاقليمية نفسها وخصوصاً السعودية، وجدت من مصلحتها ان تعيد فصل مساراتها عن لبنان فهي في اليمن مأزومة والهجوم المعاكس للحوثيين وانصار الرئيس صالح بدأ على تقدمها الاخير، وفي سورية قلب التدخل الروسي الميزان العسكري والسياسي لصالح النظام وحزب الله وايران. الامر الذي دفع بتركيا الى التصدي لمشروع خربطة التقدم السوري بحكم انها رأس حربة الدول المنخرطة ميدانياً ومباشرة في الحرب على سورية ومحور الممانعة في سورية.

ماذا يعني ترشيح الحريري رسمياً لفرنجية خلال ساعات؟ تجيب المصادر بأنه يحسم امر كل النقاش اللبناني الدائر ويضع كل طرف امام مسؤوليته. ويظهر وقتها من يريد للتسوية ان تسير ومن يريد تعطيلها ويدخل النقاش في مرحلة الجدية والتفاصيل التي يرتبها السير في السلة لكاملة. فالسعودية تعتبر ان تمام سلام ليس من حصتها وان رئاسة الجمهورية ليست مؤثرة في لبنان وان الثقل هو في رئاسة الحكومة .فمجيء سعد الحريري الى الحكومة يعني ضمان الحضور السعودي فيه. في حين يصر وليد جنبلاط وتيار المستقبل على قانون الانتخاب وشكله ومضمونه على ان لا يبعثر حضورهم على حساب القوى الاخرى ومن الطائفة نفسها وكذلك سحب ورقة تعديل الموازين للمسيحيين في بيروت وزحلة والجبل وصيدا بالنسبية.

في حين يقف حزب الله في المنتصف بين حليفيه الاستراتيجين العماد ميشال عون وفرنجية، رغم انه حتى الساعة يسير خلف عون في ترشيحه. ولم يقل كلمة واحدة في ترشيح فرنجية ولن يقول قبل اعلان الحريري وقبل ان تصبح الامور رسمية وجدية ووقتها يسأل العماد عون رأيه وبناء عليه تحدد المسائل، وعون ايضاً ينتظر ان تصبح الامور رسمية ليبني موقفه.

الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط والرئيس الحريري الثلاثة هم في جو الذي كان يحضر ويباركون التسوية ويعملون على استمزاج آراء القوى المسيحية. فإذا كان عون منتظراً وموقفه متعلقا بالترشيح الرسمي وموقف حليفه حزب الله، فإن الدكتور سمير جعجع اتخذ موقفه الواضح انه لا يسير في ترشيح فرنجية لاسباب كثيرة واهمها مجزرة اهدن وارتباط فرنجية بالمحور المعادي له. اما الكتائب فيبقي موقفه ضبابياً ورمادياً ولن يفصح عن رفضه الا في العشرة الامتار الاخيرة.