على ضوء التطورات السورية المتسارعة، يبدو أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة، إنطلاقاً من حادثة إسقاط الطائرة الروسية، التي جاءت بعد سيطرة أجواء تفاؤلية، على خلفية التقدم الذي حصل في اللقاء الثاني من مؤتمر فيينا، بعد أن لعبت الهجمات الإرهابية التي إستهدفت العاصمة الفرنسية باريس دوراً بارزاً على هذا الصعيد.

من حيث المبدأ، هناك شبه توافق في المبادىء العامة بين اللاعبين الدوليين، تحديداً الولايات المتحدة الأميركية و​روسيا​، وهو ما ظهر من خلال التساهل في التعامل مع دخول موسكو القوي على خط الحرب السورية، لكن على المستوى الإقليمي لا تزال الأمور غير واضحة، لا سيما على صعيد المحور الداعم لقوى المعارضة السورية، بسبب إصرار القوى الفاعلة فيه على مواقفها السابقة من دون التقدم أي خطوة إلى الأمام، بالرغم من المعطيات الجديدة التي تطبع المشهدين السياسي والعسكري.

في هذا السياق، تعتبر مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، أن الأدوار الأبرز كانت متعلقة بالسعودية وتركيا و​إيران​، لكن بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية تبدلت الأمور، حيث من الواضح أن موسكو تعمل على إقصاء الدور التركي، عبر القضاء على الجماعات المسلحة المرتبطة بأنقرة، بعد تجاوزها الخطوط الحمراء، وتشير إلى تكثيف الضربات الجوية التي تستهدفها، وتؤكد أن إنقطاع الإتصال بين الجانبين يحمل في طياته مؤشرات عديدة.

من وجهة نظر هذه المصادر، سعت تركيا إلى إستغلال حالة الفراغ التي تسيطر على المنطقة للدخول على الخط، عبر رفع شعار الإسلام السياسي، إنطلاقاً من تبني حركة "الإخوان المسلمين"، وهي راهنت عليها مع إندلاع أحداث "الربيع العربي" في كل من تونس ومصر، لكنها تعرضت إلى نكسة كبيرة بعد إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ومن ثم تبدل المشهد السياسي في تونس.

وفي حين تعتبر المصادر نفسها أن الأمور لا تزال غير واضحة على هذا الصعيد، تشدد على أن أنقرة أصبحت في وضع حرج، وتؤكد بأن من غير الممكن أن يكون لها أي دور، في المرحلة السياسية المقبلة، في حال عدم معالجة أزمتها مع روسيا، وترى أن موعد اللقاء الثالث من مؤتمر فيينا سيكون حاسماً على هذا الصعيد، لا سيما أن أغلب الجماعات المسلحة المرتبطة بها باتت من وجهة نظر موسكو تصنَّف إرهابية.

على صعيد متصل، أصبح من المسلم به، بعد توقيع الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، بالنسبة إلى المصادر المتابعة، عدم القدرة على تجاوز الدور الإيراني في النظام الإقليمي الجديد، خصوصاً بعد أن ثبتت نفسها في كل من سوريا والعراق ولبنان، بالإضافة إلى دعمها المباشر حركة "أنصار الله" اليمنية، بالتزامن مع التحالف مع الجانب الروسي، الذي أعلن موقفاً واضحاً، على لسان الرئيس فيلاديمر بوتين، بعدم إمكانية خيانة الحلفاء، في إشارة إلى ما يعرف عن السياسة الأميركية، التي تسعى دائماً إلى تحقيق مصالحها، في الوقت الذي لا تهتم فيه بوجهة نظر حلفائها، والدليل الأكبر هو ما حصل مع الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، ناهيك عن توقيع الإتفاق النووي مع طهران.

إلى جانب الدور الإيراني الفاعل، يأتي الدور السعودي، الذي من المنتظر أن تتضج معالمه في الفترة المقبلة، بعيداً عن إصرار وزير الخارجية عادل الجبير على التأكيد على دعم بلاده أي عملية سياسية تقود إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في ظل التهديد بالإستمرار بالعمليات العسكرية في حال عدم التوافق على هذه النقطة، وتشير المصادر نفسها إلى أن الرياض منذ توقيع الإتفاق تعيش حالة من التخبط، حيث سعت في البداية إلى التمرد على واشنطن، عبر الإستمرار في التصعيد مع طهران وتعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وتشير إلى أن هذا التوجه ظهر من خلال الجولات المتعددة التي قام بها الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بالإضافة إلى نجله ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، بالتزامن مع التركيز على الحرب اليمنية التي تخوضها السعودية من منطلق الدفاع عن أمنها القومي، حيث تعتبر أن ما قامت به "أنصار الله" إنقلاب على دورها في حديقتها الخلفية.

إنطلاقاً من ذلك، تشدد المصادر نفسها على أن الرياض بحاجة إلى إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، لا سيما في ظل الأزمات المتعددة التي تمر بها، سواء على الصعيد المالي أو بالنسبة إلى الخلافات داخل أركان العائلة الحاكمة، وتؤكد أن الحديث عن دور عماني على صعيد التواصل مع طهران أمر جدي، قد يكون له نتائج إيجابية جداً، لكنها ترى أن من المبكر الرهان على هذا الدور، حيث المطلوب بداية إعتماد تهدئة إعلامية وسياسية بين الجانبين.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه أهمية التواصل الإيراني السعودي لمعالجة العديد من ملفات المنطقة العالقة، تلفت إلى أن المبادرة التي تقدم بها رئيس الحكومة سعد الحريري، بالنسبة إلى الأزمة اللبنانية ربما تأتي في هذا الإطار، خصوصاً أن الأجواء كانت تتحدث عن دعم سعودي لها، إلا أنها تجزم بأن كل الإحتمالات لا تزال قائمة، وأبرزها عودة الأمور إلى نقطة الصفر من جديد.

في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن الصورة العامة لا تزال غير واضحة، لكنها تعتبر أن مسار اللقاء الثالث من مؤتمر فيينا سيكون حاسماً على هذا الصعيد، خصوصاً بالنسبة إلى الدور التركي المحتمل.