أخيراً برز التقدم المنتظر في قضية العسكريين المخطوفين لدى "​جبهة النصرة​" في جرود عرسال منذ الثاني من آب عام 2014، على أمل أن يكلل بإطلاق سراح المخطوفين الـ16. في الانتظار، لاحظ المتابعون كما أهالي العسكريين أن الشيخ ​مصطفى الحجيري​ الملقب بـ"أبو طاقية"، والذي ارتبط اسمه بهذه القضية منذ اللحظات الأولى للخطف مروراً بإستضافته العسكريين في منزله وصولاً الى تسليمهم لإرهابيي "النصرة"، هو خارج حلقة هذا التقدم، لا بل خارج عن السمع كلياً.

خلال الساعات القليلة الماضية، واكب أهالي العسكريين لحظة بلحظة الأنباء التي تحدثت عن وضع صفقة التبادل بين الأمن العام و"جبهة النصرة" على سكة التنفيذ، وبحثاً منهم عن خبر أو معلومة من الجرود تفرح قلوبهم، حاول عدد منهم التواصل مع الشيخ مصطفى، على إعتبار أنه المقرب من أمير "النصرة" في القلمون أبو مالك التلي، وهو الذي إعتاد على زيارته في الجرود بشكل شبه أسبوعي، غير أن المفاجأة كانت في الأجوبة التي تلقوها. منهم من قوبل إتصاله بعدم الرد من قبل الحجيري. ومنهم من صدم بالرسالة الصوتية التي تفيد بأن الخط المطلوب غير موضوع في الخدمة. لجأ البعض منهم الى خدمة الواتساب وأيضاً من دون نتيجة. واتصل البعض الآخر بنجله عباده، فكان الجواب "الشيخ مصطفى مشغول ومَنُّو عالسمع". قلة قليلة من الأهالي هي التي إستطاعت أن تتواصل مع "أبو طاقية" بعد ظهر الجمعة، وتمكنت من سماع ما لم تكن تتوقع سماعه بلسان الحجيري "عن أي شباب عم تسألوني؟ أنا مَنِّي بِجَوّ المفاوضات وما بعرف شي".

جواب الحجيري المقتضب هذا فاجأ الأهالي الذين نجحوا في التواصل معه، "وكيف لا نفاجأ" يقول أحدهم، "ونحن من أرسل لنا أبو مالك التلي، منذ مدة قصيرة أن أي صفقة تبادل بملف العسكريين المخطوفين لدى النصرة، لن تمر من دون أن يكون الشيخ مصطفى وسيطاً معلناً فيها بين الجبهة والدولة اللبنانية".

في تفسير أول لهذا الإبعاد عن الملف، هناك من يرجّح بين المتابعين لهذه القضية، أن تكون "جبهة النصرة" تخلت عن الحجيري وقررت إبرام الصفقة مع الدولة اللبنانية من دون علمه، لذلك هو غائب عن السمع ولا يقرأ له تصريح في وسائل الإعلام. وفي التفسير الثاني، هناك بين المتابعين من يعتقد أن حكم الأشغال الشاقة المؤبدة الذي أصدرته المحكمة العسكرية الأسبوع الفائت بحق الحجيري، كان بمثابة جرس الإنذار الذي دق ناقوس الخطر لدى الشيخ مصطفى، وأوصل له مباشرة الرسالة الأمنية التالية: "إنتبه، ما بعد حكم القضاء العسكري، ليس كما قبله". على ضوء هذه الرسالة، أوقف الحجيري زياراته الى الجرود المحتلة إرهابياً، وأبعد نفسه في آن معاً، عن وسائل الإعلام، وعن حركة المفاوضات والإتصالات التي بشّرت بالأجواء الإيجابية لناحية البدء بالتحضير لتنفيذ صفقة التبادل مع "جبهة النصرة".

وفي موازاة التفسير الثاني، تنفي مصادر متابعة في المحكمة العسكرية نفياً قاطعاً، ما حكي عن أن حكم الأشغال الشاقة المؤبدة، صدر بحق الحجيري بتوقيت حساس يفرض عليه بذل المزيد من الضغط على "النصرة" لإحراز تقدم في ملف المخطوفين، مؤكدةً أن الحكم طبيعي ومنطقي في المضمون والتوقيت، ومن يتابع سير الملفات في المحكمة العسكرية، يعرف أن صدور حكم كهذا هو أمر طبيعي خصوصاً أن المحاكمة حصلت غيابياً لأن "أبو طاقية" لم يحضر ولو جلسة واحدة من جلساته.

إذاً أبو طاقية خارج صفقة العسكريين مهما كانت الأسباب، وهو محكوم بالسجن المؤبد، فهل تكون الخطوة الأمنية التالية بعد إنجاز الصفقة والإفراج عن المخطوفين لدى "النصرة"، توقيفه بعملية نوعية؟