اشارت صحيفة "زمان" التركية ان الأمبراطوريّة الروسيّة كانت أَلَد أَعْداء الدولة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين اللذين يعدان فترة انهيار الدولة العثمانيّين. وعقب سقوط الدولة كانت تركيا بعيدة عن ​روسيا​، وشهدت العلاقات بينهما حالة من الفتُور، لكن لم تحدث أيّة حروب بين الدولتين. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، في مطلع تسعينيّات القرن الماضي، بدأت العلاقات التركية الروسية تشهد "فصل الربيع". وخلال 25 عامًا أُقيمت علاقات وثيقة للغاية بين الدولتين في جميع المجالات تقريبًا، على رأسها السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة. ويمكن القول إن العلاقات التي تحوّلت إلى بنية مؤسسيّة عن طريق مجلس التعاون رفيع المستوى الذي يعمل مثل مجلس الوزراء المشترك بين البلدين، جعلت الدولتين في وضعيّة فاعلين مكملين لبعضهما البعض في المنطقة من الناحية التجارية. إذ بدأت روسيا تلبي احتياجاتها من المواد الغذائية من تركيا، فيما شرعت تركيا تلبي احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط من روسيا.

اضافت الصحيفة التركية غير أن انتهاك طائرة حربية روسية للمجال الجوي التركي، في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، يوشك على هدم العلاقات الوثيقة التي أُنشئت بشق الأنفس وصعوبات بالغة. ووصلت الاتهامات المتبادلة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغا والروسي فلاديمير بوتين إلى أبعاد خطيرة. حيث تعرّض الأتراك الذين يعيشون في روسيا لمعاملات عنصرية، واعتقال بعض رجال الأعمال الأتراك الذين ذهبوا إلى هناك للعمل. وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من ألفي شركة تركية في روسيا لديها استثمارات تفوق 10 مليارات دولار. كما أن هناك نحو 60 ألف تركي يعملون بشكل فعّال في روسيا. فضلا عن أن شركات البناء والإنشاءات التركية أقامت أعمالاً بنحو 60 مليار دولار. وكان الأتراك يواصلون معيشتهم في روسيا باعتبارهم أكثر الجاليات أمنًا وحريةً في العالم. إلا أنّ أزمة الطائرة أدّت إلى انكسارات حادة للغاية في نظرة المواطن العادي تجاه الأتراك. وينبغي هنا أن نسجل الهتافات التي كانت ترددها المجموعات المحتشدة أمام السفارة التركية في موسكو احتجاجًا على ما حدث، وتأكيدهم على أنهم لن ينسوا ذلك أبدًا.

وقد هدّد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تركيا بصورة واضحة للغاية بقوله: "إن إسقاط المقاتلات الروسية لن يبقى أمرًا بلا رد". غير أن الرد الذي تحدث عنه بيسكوف -الذي نعرف عنه تحدثه اللغة التركية بطلاقة ومساهماته المهمة للغاية في العلاقات التركية الروسية- لا يزال يكتنفه الغموض.

إلى جانب ذلك فإنزال السفينة "موسكو" إحدى أكبر السفن الحربية الروسية إلى البحر المتوسط بعد مرورها من مضيق البوسفور، ونشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخيّة (إس-400) في سوريا، يزيد من حجم المخاطر العسكريّة في هذا الصدد. ومن الممكن أن تقوم روسيا بإسقاط مقاتلة تركية تنتهك المجال الجوي السوري حتى وإن كان ذلك بشكل غير متعمد. زد على ذلك أن أنقرة التي لم تحصل على الدعم الكافي من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" وقد تبقى وحيدةً في مواجهة إحدى أكبر القوى النووية في العالم. وينبغي هنا الإشارة إلى أن العلاقات التجارية التي تُعد قاطرة العلاقات التركية الروسية ستتأثر بصورة كبيرة للغاية بأزمة الطائرة؛ ذلك أن تبعية تركيا لروسيا في الغاز الطبيعي والنفط ليس أمرًا هيّنًا ويمكن تعويضه بهذه السهولة، فتركيا تستورد20 في المئة من النفط و60 في المئة من الغاز الطبيعي من روسيا. وكانت روسيا تقوم بتعويض الشحنات الإضافية نظرًا لأن إيران لم تكن قادرة على إرسال الشحنات الكافية في أشهر الشتاء. وهذا يعني أن روسيا ستقوم بإعادة النظر في استثماراتها الموجودة في تركيا مثل مشروع "التيار التركي" الذي سيقوم بتسويق الغاز الروسي في أوروبا عبر تركيا، ومحطة الطاقة النووية (Akkuyu) المشروع الضخم المقدر بــ20 مليار دولار، وكذلك بنك (Denizbank) التركي.

وقد أعلن رئيس الوزراء الروسي ديميترى ميدفيديف أنهم بدأوا في أعمال تتعلق بحزمة عقوبات تشمل وقف برنامج التعاون الاقتصادي، والقيود على المعاملات المالية، والقيود على التجارة الخارجية، وتغيير الضرائب الجمركية، والتدابير التي سيتم اتخاذها في مجالي السياحة والنقل.

ومن المتوقع أن تكون السياحة والمنسوجات والأغذية من أكثر القطاعات التجارية التركية التي ستتأثر سلبًا بتراجع علاقات الدولتين.