في أحدث تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ​بان كي مون​ بشأن الوضع السوري، رأى أنّه من المُمكن التوصّل إلى وقف للنار في غضون ستة أشهر، على أن يليه إجراء إنتخابات بعد عام. فهل هذا الأمر مُمكن فعلاً؟

بحسب أكثر من خبير غربي، إنّ المُشكلة الكبرى التي تحول دون وقف الحرب السوريّة التي ستبدأ عامها السادس بعد نحو ثلاثة أشهر، تتمثّل في تباين إقتراحات الحلّ المنشود، نتيجة تباين نظرة الدول المعنيّة المحلّية والإقليميّة والدَوليّة إزاء كيفية إنهاء هذا النزاع، بفعل التضارب الكبير على مُستوى كلّ من التموضع والمصالح والأهداف، إلخ. ويُضاف إلى ما سبق، عجز الأطراف المُتصارعة عن إنهاء الحرب عبر الحسم العسكري الكامل، خاصة وأنّ أعمال التمويل والتسليح ووصول المُقاتلين الجُدد وتجنيد المُقاتلين من داخل سوريا، لا تزال كلّها مُستمرّة، وهي لا تقتصر على فريق دون آخر أو على جهة دون أخرى.

ودائماً بحسب هؤلاء الخبراء الغربيّين، إنّ الدول الغربيّة تتعاطى مع ​الأزمة السورية​ من منظارها، ما يجعلها تطرح الحلول من منظارها أيضاً. بمعنى آخر، إنّ الحرب السورية تُمثّل للكثير من الدول الغربيّة ثلاث مشاكل كبرى، هي:

أوّلاً: ما يُشكّله تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابيّة من مخاطر على الأمن والإستقرار العالميّين، خاصة في ظلّ حمل الكثير من هؤلاء المُسلّحين جنسيّات أجنبيّة تُخوّلهم التحرّك بحريّة، ما يرفع من حجم المخاطر الأمنيّة بشكل كبير.

ثانياً: ما يُمثّله هروب عشرات آلاف اللاجئين السوريّين إلى الدول الأوروبيّة، من إنعكاسات سلبيّة على الأوضاع الأمنيّة والإقتصادية والإجتماعيّة في هذه الدول، علماً أنّ الهجرة الجَماعيّة غير الشرعيّة نحو أوروبا بشكل خاص، لا تزال مفتوحة في ظلّ وُجود ملايين السوريّين الذين نزحوا عن قراهم وبلداتهم بسبب الحرب المُستمرّة، وإستمرار محاولات الكثير منهم الفرار من مخيّمات اللجوء التي تأويهم حالياً.

ثالثاً: ما تُمثّله الحرب المُستمرّة من عدم إستقرار على مجمل منطقة الشرق الأوسط، ومن مخاطر من توسّع الدائرة الجغرافية لهذه الحرب، بفعل الإنقسامات المذهبيّة والعرقيّة التي تُعاني منها العديد من الدول المُجاورة لسوريا، وكذلك العديد من دول الشرق الأوسط بشكل عام.

وأضاف الخبراء أنفسهم، أنّ الولايات المتحدة الأميركية ترى من جهتها الحرب السوريّة من منظار ما يُمثّله التدخّل الروسي من مخاطر على المصالح الأميركيّة الإستراتيجيّة في المنطقة، وترى في التدخّل الإيراني–اللبناني (عبر "حزب الله") من منظار ما يُشكّله من تهديد على الحليف الإستراتيجي إسرائيل، ومن إضعاف لنُفوذها. وفي المُقابل، تتصرّف روسيا إزاء الأزمة السوريّة من مُنطلق "الحماية الإستباقيّة" ليس لمصالحها في الشرق الأوسط وفي البحر الأبيض المتوسط فحسب، وإنّما في عمق دول روسيا الإتحاديّة التي لا يُمكن إلا أن تتضرّر في حال نجاح مُعارضي الرئيس السوري بشّار الأسد في إقامة دولة يحكمها نظام إسلامي مُتشدّد، بحيث يُنتظر أن تعمل بجهد على نقل هذا المنحى إلى الدول ذات الوجود السكُاني الإسلامي ضمن الإتحاد السوفياتي السابق، خاصة وأنّ آلافاً من المُقاتلين الإسلاميّين في سوريا حالياً يتحدّرون من هذه الدول الشيوعيّة السابقة. كما أنّ إيران، ومعها حُكماً "حزب الله"، تتصرّف من مُنطلق حماية مشروعها التوسّعي في الدول العربيّة، على مُستوى النفوذين السياسي والعسكري، والتي توظّفه ضُد إسرائيل، لتعزيز موقعها في المُعادلة الإقليميّة والدوليّة.

وبحسب الخبراء الغربيّين أنفسهم أيضاً، إنّ الحلّ في سوريا لا يُمكن أن يبدأ طالما أنّ هؤلاء اللاعبين الكثر الذين أصبحوا مُنخرطين بشكل أو بآخر في الحرب السوريّة، ولو بنسب مُتفاوتة، لم يتوافقوا بعد على طبيعة الأزمة السورية، ولم يتوافقوا حُكماً على رُزمة المشاكل التي من الواجب حلّها. وأضاف هؤلاء، طالما تُوجد دول عدّة تعتبر أنّ الرئيس الأسد هو المُشكلة في مُقابل دول أخرى تعتبره الحل، فإنّ الحرب ستستمرّ. وطالما تُوجد دول عدّة تعتبر أنّ "داعش" هو المُشكلة وباقي التنظيمات هي الحلّ، في مُقابل دول عدّة تعتبر أنّ كل الجماعات المُسلّحة غير المُوالية للنظام السوري هي إرهابيّة ويجب القضاء عليها، فإنّ الحرب ستستمرّ. وطالما تُوجد دول عدّة تعتبر أنّ الأزمة في سوريا هي بين شعب ثائر على نظام ديكتاتوري حكمه على مدى أكثر من أربعة عُقود، في مُقابل دول عدّة تعتبر أنّ المسألة عبارة عن مؤامرة دولية لإزاحة نظام يُغرّد خارج المنظومة الأميركيّة، فإنّ الحرب ستستمرّ.

ومّما سبق، يُمكن الإستنتاج أنّ حديث أمين عام الأمم المتحدة عن إمكان وقف الحرب في سوريا في غضون ستة أشهر يدخل في سياق التمنّي أكثر منه في سياق خريطة طريق واضحة المعالم. وبالتالي، يُمكن القول إنّ المعارك في سوريا ستبقى قائمة في المُستقبل القريب، في ظلّ التباين الكبير في نظرة الأطراف المُتصارعة وتلك الداعمة لها إلى الحلول المنشودة، وفي ظلّ سعي أكثر من طرف فاعل إلى تسعير المعارك بدل مواكبة مُحاولات التوصّل إلى حلّ سياسي، كما حدث عند إسقاط الطائرة الروسيّة من قبل الطيران التركي، على سبيل المثال لا الحصر.