من الطبيعي ان يحمل العنوان "مبالغة" في مضمونه، ولكن ما تشهده اوروبا حالياً يجعل الامر قابلاً للتصديق، وبشكل كبير. بداية، يجب التنويه الى ان ليس في الامر "شماتة"، فالارواح التي تسقط في اي بقعة من العالم بسبب الارهاب هي ارواح اخوة لنا، وهي ارواح بريئة ذنبها الوحيد انها كانت هدفاً لوحوش في هيئة انسان. ليست برج البراجنة الاولى في سلسلة العمليات الارهابية التي عاشها ​لبنان​، ولو اننا نتمنى ان تكون الاخيرة، ولكن تم ذكرها في كثير من الدول الى جانب مناطق وعواصم ودول كانت هدفاً ايضاً للارهاب.

في الآونة الاخيرة، بات الكثير من اللبنانيين يبدون قلقاً غير متوقع، واضطراباً لم يفكّروا يوماً بأنهم قد يصلون اليه. فخوف قسم كبير منهم على ابنائهم وانسبائهم واقاربهم في اوروبا، تحوّل الى امر ملموس لا يمكن اخفاؤه، فتراهم يكثفون الاتصالات عبر مختلف انواع وسائل التواصل للاطمئنان على من ترك لبنان الى اوروبا من اجل تحصيل علمي او هرباً من مستقبل غامض، او من حاضر أليم، فيسعى الى طموح وحلم لم يتبلور في لبنان. ليس من المعتاد ان يقلق الناس في لبنان على من يحبونه في فرنسا او بلجيكا او المانيا او ايطاليا او... ولكن الارهاب وضرباته الحاقدة جعل هذا الامر واقعاً لا مفرّ منه، حتى ان البعض بدأ يفكر في حثّ من في الخارج على العودة الى لبنان لانه "اكثر اماناً"!

نعم، تحول لبنان رغم كل مشاكله وخلافات ابنائه و"شلله" المؤسساتي، وفراغ كرسي رئاسته ممن يجلس عليها، وتفاقم ازمة نفاياته... الى بلد " اكثر اماناً" من بلدان اوروبية عريقة. هذا ما جناه الارهاب والارهابيون في الفترة الاخيرة. ولكن اللبناني قد يكون الوحيد في اوروبا الذي يجد نفسه متأقلماً دون عناء مع التدابير الامنية المشددة والاستثنائية التي تقوم بها الاجهزة الامنية هناك. ففي حين لم يعتد الاوروبيون رؤية الجنود يسيرون بينهم حاملين كامل اسلحتهم، ولم يعتد الفرنسيون على اعلان حال الطوارئ وما يترتب عليها من تضييق في النشاط ومنع تجمعات واعطاء صلاحيات اوسع الى القوى الامنية

، كان اللبنانيون الاكثر تأقلماً مع هذا الوضع لانه كان ضمن الحياة اليومية العادية التي يعيشونها في لبنان.

وعلى الرغم من كل "مصائبه"، الخوف الكبير الذي يعتري اللبنانيين في لبنان ليس بسبب الارهابيين وما يمكن ان يقوموا به، لان ارادة اللبناني اقوى منهم، بل الخوف هو من الانقسامات والخلافات فيما بينهم. ويقيناً، لولا القوى الامنية والجيش اللبناني، لما تخطى اللبنانيون ما اصابهم ويصيبهم من "ويلات"، ولولا تفوق عناصر هذه القوى والجيش، واندفاعهم وتضحيتهم في سبيل الوطن والمواطن، لكان الوضع في لبنان مغايراً تماماً لما هو عليه اليوم.

تخيّلوا كم من رجل امن شارك في العملية الامنية التي اعقبت الاعتداء الارهابي في فرنسا اخيراً، نحو خمسة آلاف شرطي من القوات الخاصة وقوات النخبة تواجدت على الارض مع الاستعانة بعناصر من الجيش، من اجل القضاء على 9 ارهابيين تواجدوا في شقة في منطقة "سان دوني" في ضواحي باريس، مع كل المعدات التكنولوجية واللوجستية واحدث الاسلحة واجهزة المراقبة. فيما في لبنان، تبقى الحياة تسير بشكل طبيعي في محيط اي شقة او مكان يتواجد فيه ارهابيون بعد محاصرتهم من قبل القوى الامنية والجيش وبأعداد لا تذكر نسبة الى العدد الذي توافر في "سان دوني"، وسرعان ما تنتهي العملية حيث تقتحم العناصر الامنية وعناصر الجيش مكان الارهابيين لانهاء المسألة.

ليس في الامر تدخل في الناحية الامنية التي لها اعتباراتها ويعرف فيها رجال يعملون في هذا المجال ويأخذون في الاعتبار حماية العناصر الامنية والمدنيين، ولكن فيه التفاتة الى ان لبنان كسب "مناعة" ضد الارهاب بفضل شعبه والعناصر الامنية والعسكريين، وهنا لا مبالغة في القول ان هذا ما يجعل لبنان اكثر امناً من اوروبا او غيرها من القارات.

لا يمكن مقارنة لبنان بأي دولة اوروبية من ناحية الاستخبارات والاجهزة المتطورة والعتاد العسكري الحديث، ولكن ما يعوّض هذا الفارق هو كل جندي وعنصر امني، في هذا المجال، وليسمح لنا الجميع، يتفوق لبنان على سواه.

قد لا يكون لبنان اكثر امناً من اوروبا او غيرها، وهذا واقع لا يمكن مناقشته، ولكن طبيعة ابنائه ومجتمعه واندفاع عناصره الامنية وجنوده، يجعله دون شك "اكثر اماناً" بالنسبة الى الكثيرين.