- علاقة الرئيس التركي رجب أردوغان بالتفاوض على الإفراج عن مخطوفين لدى متفرّعات «القاعدة» ليست جديدة، فمنذ ولادة «داعش» كان الحدث التفاوضي الأول للتنظيم هو المسار الذي انتهى دون كلّ حوادث الخطف الأخرى، بدون قطع رؤوس ودهس بالدبابات، بل بعودة المخطوفين وهم بالعشرات إلى ديارهم سالمين، دون تحديد ماهية الصفقة التي تمّت، والتي أدارها أردوغان للإفراج عن رعاياه الثمانية والأربعين وشاحناتهم، الذين قالوا إنهم لدى تعرّضهم للخطف تلقوا أوامر بالاستسلام لـ«داعش» كقوة صديقة.

- في كلّ القضايا التي تضمّنت مفاوضات على مخطوفين من زوار المقامات في إيران الذين احتُجزوا في أعزاز السورية، إلى راهبات معلولا، وصولاً إلى مراحل التفاوض كلّها على مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و«داعش»، كانت تركيا حاضرة، وحتى عندما تحضر قطر، يعلم المعنيون أنّ تركيا غائبة وأن ملائكتها حاضرة أو شياطينها حاضرون، كما يقال، فالراعي السياسي والديبلوماسي، أو مصرف تسييل الأصول والتصرف بها، لدى الجماعات المسلحة في سورية، هو تركيا، سواء يوم كان المسلحون يعملون باسم «الجيش الحر»، أو يوم صاروا «نصرة»، أو يوم صاروا «داعش»، بقيت تركيا في هذه المراحل كلّها الوسيط القادر على التدخل وإملاء التوقيت وفرض الشروط، وكان الأتراك يبرّرون ذلك بكونهم الظهير والملاذ والإمداد للجماعات المسلحة يوم كانت تعمل بعنوان معارضة سورية مسلحة، وما عاد هناك تبرير، ولا مبرّر ليسأل أحد عن تبرير في زمان «النصرة» و«داعش»، فكل شيء صار واضحاً. «النصرة» و«داعش» في الأعمال الأمنية مجرّد أذرعة لحساب تركيا، يوصلون عبرهما رسائل الغضب، والتودّد، وإغلاق الأبواب وفتح الأبواب ومدّ الجسور، والمعنيون بتلقي الرسائل لا يجدون مصلحة بكشف المستور، فصناديق البريد ضرورات في مثل الحرب التي تشهدها سورية، وحجم التداخل الإقليمي والدولي، ونفوذ تركيا وقدرتها على توظيف واستخدام هذه الجماعات في مختلف مراحلها تخطيا حدود سورية، لتصير آلة توجيه رسائل إلى مصر كما حدث يوم قتل عناصر «داعش» في ليبيا عدداً من المصريين الأقباط، وقالت مصر إنّ الرسالة قد وصلت.

- التحرك المفاجئ لقضية العسكريين المخطوفين، على إيقاع تحرّك بطيء لتعامل تركيا مع قضية تعنيها مباشرة، هي تسليم جثة الطيّار الذي أسقط الطيران التركي طائرته وأرداه مسلحون تابعون لتركيا وهو يهبط بمظلته، أمران لا يمكن لتزامنهما أن يكون مجرد صدفة، فبعد خمسة أيام ولياليها، من سقوط الطائرة والصمت عن مصير جثة الطيار الروسي المحتجزة لدى أصدقاء تركيا من المسلحين، هي خمسة أيام من التأزّم التركي الروسي المتصاعد، وصولاً إلى عشية انعقاد قمة المناخ في باريس التي يحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحضر على طاولته طلب موعد للقائه من الرئيس التركي رجب أردوغان، يحضر خبر عاجل عن تسلّم تركيا لجثة الطيار من المسلحين وعزمها على تسليمها إلى موسكو. وتسير الأحداث بالتتابع، تحرك قضية العسكريين المخطوفين نحو تبادل قد يبصر النور في أيّ لحظة، وتكشف مصادر صحافية تركية عن مفاوضات ومطالب للمسلحين التابعين لتركيا لقاء تسليم جثة الطيار، والمطالب تتضمّن الإفراج عن معتقلين لدى الدولة السورية، وفي صفقة العسكريين اللبنانيين تبادل يتضمّن معتقلين لدى الدولة السورية.

- توقيت الصفقتين تركي، والمفاوض الفعلي في الملفين تركي، والمسلحون المعنيون باحتجاز العسكريين وجثة الطيار تابعون لتركيا أو يقيمون حساباً هاماً ومصيرياً لعلاقتهم بها، والصفقة الواحدة تكفي لتغطية مضامين الاثنتين، إذ لا يبدو مناسباً لتركيا أن تبدو كمن يطلب ثمناً لقاء جثة طيار يفترض بأبسط أدبيات الحرب وأخلاقياتها خوض حرب لتأمين تسليمه إنْ لم يتمّ ذلك بالتراضي، فكيف وقد تمّ احتجاز الجثة والتنكيل بها لخمسة أيام كانت أحد أسباب غضب الرئيس الروسي، ولأنها ليست صدفة، يتأخر تسليم المسلحين لجثة الطيار، وتصحّح وسائل الإعلام ظهر أمس ما كانت قد بثته عن وصول الجثمان إلى أنقرة، ويتأخر الأمر إلى المساء، فيتعرقل إنجاز صفقة العسكريين، ومنتصف الليل أو فجر اليوم يصل جثمان الطيار الروسي إلى موسكو، ويصل بوتين وأردوغان إلى باريس، وربما تكون صفقة العسكريين قد أبصرت النور؟

- حدث أم لم يحدث، الصلة قائمة في التسهيل والتعطيل، وترتبط باستخدام أردوغان لديبلوماسية الجثث والرهائن، ديبلوماسية تليق بزعيم مافيا وليس برئيس دولة تتطلع وتدّعي الأهلية لدور دولة عظمى في المنطقة لضمان أمنها واستقرارها، ليستحق أردوغان بجدارة لقب الأمين العام المشترك لـ«جبهة النصرة» و«داعش» معاً.