"إن السيد (عبد المنعم) يوسف هو حاليا موضوع تحقيق جار (...)، خصوصاً ما يتعلق بالتعويضات المالية الخاصة به، التي لا يريد تقديم المستندات في شأنها، وهو قال للمفتشين حرفيا إنه يستقيل ولا يقدم هذه المستندات". هذا ما ادلت به المفتشية العامة المالية في التفتيش المركزي في بيان لها امس بعد صمت مريب وطويل

ايّدت المفتشية العامة المالية في التفتيش المركزي في بيان لها امس ما اعلنه وزير الصحّة وائل ابو فاعور منذ ايام، عن ان رئيس هيئة «اوجيرو» ومديرها العام عبد منعم يوسف يمنع المفتشيين الماليين من استجوابه والاطلاع على حسابات أوجيرو طيلة السنوات الثلاث الماضية. يوسف سارع الى نفي اتهامات ابو فاعور له، مشيرا إلى انها «عارية من الصحة جملة وتفصيلا، ولا تمت للحقيقة بصلة».

هذا النفي استفز رئيس التفتيش المالي صلاح الدنف، ودفعه الى اصدار البيان المذكور باسم «المفتشية العامّة المالية». نُشر البيان في «الوكالة الوطنية للاعلام» ثم حُذف لاسباب مجهولة، الا ان الدنف اصرّ في اتصال مع «الاخبار» على مضمون البيان ووصف النفي الصادر عن يوسف بأنه «خبر كاذب» بذاته، وامتنع عن تقديم اي تفاصيل تتعلق بالملف الذي تحقق فيه المفتشية المالية، ولكن يوسف، كعادته، شن هجوما على الدنف في معرض الدفاع، وقال إن ما جاء في بيان الدنف هو «بقصد التشهير والتجريح»، ورد السبب الى «عدم الإستجابة لمطالبه الشخصية المتكررة التي تقدم بها مراراً إلى هيئة أوجيرو ورئيسها، مستغلا موقعه الإداري في هيئة التفتيش المركزي للضغط على هيئة أوجيرو، تارة لتوظيف أقاربه وأبنائهم فيها، وتارة لتأجير الهيئة سطوح أبنية خاصة يملكها السيد الدنف لإنشاء مواقع للبث وأبراج للإتصالات، وتارات لتسهيل طلبات شخصية أخرى».

تختصر هذه الاتهامات المتبادلة حال الدولة والادارة العامّة. يسيطر الفساد كليا وتتقاعس الاجهزة الرقابية عن القيام بواجباتها، فيما الحمايات السياسية تمنع المساءلة في اي ملف يتعلق باي من المسؤولين.

ثمة أكثر من 52 شكوى ودعوى وملاحقة وتنبيهاً بحق ​عبد المنعم يوسف​، بينها 7 مراجعات أمام مجلس شورى الدولة، و7 دعاوى أمام القضاء الجزائي، و21 امام التفتيش المركزي. الا انها جميعها بقيت في الادراج، بما فيها الشكوى امام المفتشية المالية لدى التفتيش المركزي، التي نامت طويلا قبل ان تتحول اليوم الى مجرد اتهام يساق في صراع خفي دخله الحزب التقدمي الاشتراكي، علما ان رئيس الحزب ووزراءه ونوابه ساهموا بشكل او بآخر في تأمين الحماية ليوسف عندما كان وزراء التيار الوطني الحر يريدون محاسبته واقتلاعه من منصبه.

من المعروف ان يوسف يشغل خلافا للقانون مناصب عدّة، هي رئيس هيئة «اوجيرو» ومديرها العام ومدير الصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات، ويتقاضى مخصصات وتعويضات لاشغاله المراكز الثلاثة، وهو ما لا يجيزه القانون. وهناك اتهامات وجهها وزير الاتصالات الاسبق ليوسف بتكبيد الهيئة مصاريف طائلة لسكنه في بيروت وزيارة اسرته المقيمة في فرنسا. وعلى المستوى الاداري، يُتهم يوسف بالتحكّم بصرف بدلات العمل الاضافي وبناء سلطة تفوق سلطة الوزير على الموظفين الذين يتقاضون من الهيئة مخصصات تزيد عن رواتبهم الاساسية في الوزارة. وعلى المستوى الوطني، يتُهم يوسف بمسؤوليته الشخصية عن حرمان المقيمين في لبنان الاستفادة من السعات الدولية وتحسين كفاءة الانترنت وسرعته، ومسؤوليته عن تأخير الاستفادة من مشروع الألياف الضوئية بعدما أوقف الدفع للشركات المتعهدة ومنع الشركات من وصل كابلات الألياف على سنترالات أوجيرو لإطلاق العمل فيها. وبرغم أن التقرير التمهيدي للمفتش العام الذي حقق في قضية تلزيم الألياف الضوئية، اقترح إحالة عبد المنعم يوسف إلى النيابة العامة المالية، إلا أن هيئة التفتيش المركزي نفسها، التي ناقشت هذا الملف في آخر اجتماع لها عقد في كانون الثاني الماضي، لم توافق على الاقتراح. يوسف هو الذي أوقف إصدار بطاقات كلام وتليكارت لفترة طويلة لأنه يريد مناكفة وزير الاتصالات السابق شربل نحاس، وكبّد الخزينة العامّة خسائر باهظة... هذا فضلا عن قصّة الشبكة الخلوية الثالثة التي جرى تشغيلها بادارة يوسف ولم تُكشف التحقيقات عن اسباب تشغيلها والمنافع المحققة من ذلك ولم تجر مساءلته عن تمرده على قرار وزير الاتصالات بايقاف تشغيلها... كل هذه الاتهامات بقيت من دون مساءلة، ولم يحرّك القضاء والنيابات العامّة والتفتيش المركزي ساكنا في مواجهتها، ولم يكن للحزب التقدمي الاشتراكي موقف منها. فما عدا ما بدا!

أكثر من 52 شكوى ودعوى وملاحقة وتنبيهاً بحق يوسف

في نهاية أيلول الماضي، شنّ النائب وليد جنبلاط هجوماً على يوسف من دون أن يسمّيه، قال: «إن أكبر وزير لا يستطيع أن ينفّذ خطة تطوير القطاع (الاتصالات) من دون موافقته». وسأل جنبلاط: «من هي الجهات السياسية التي تغطّي هذا المدير؟ وهل يجوز أن تكون هناك مناطق لبنانية لا تزال محرومة خدمات الإنترنت؟ ولماذا لا يستفاد من خطوط الألياف الضوئية؟ وهل يجوز أن تكون كلفة الإنترنت باهظة الى هذا الحد؟».

في مؤتمر منظمة «الشباب التقدمي»، الذي عقد قبل أيام بعنوان «تحديات الإصلاح»، سأل الوزير أبو فاعور: «هل تستطيع شمس الدولة أن تدخل إلى بعض المؤسسات، كمؤسسة أوجيرو، ومديرها يرفض لثلاث سنوات كشف السجلات المالية أمام التفتيش المالي، ويرفض استقبال المفتشين الماليين، المفترض أن يفتشوا على هذه الدائرة، كيف يمكن أن يكون إصلاحاً وهناك من يتمرد على القضاء وعلى التفتيش ويتمنع لثلاث سنوات متتالية عن إستجوابه على يد هيئات التفتيش. هذه أسئلة على نماذج الفساد الموجودة في الدولة».

يردد البعض في «اوجيرو» ان هجوم «زعيم المختارة» سببه رفض يوسف تلبية بعض طلباته، ولكن بمعزل عن صحّة هذا الادعاء او عدمه فانه لا يدحض الاتهامات الموجهة ضد يوسف التي سبق لوزراء الاتصالات السابقين ان اثاروها.

يقول يوسف في بيان صادر عن هيئة أوجيرو، انه لم يرفض في أي يوم دخول أي فريق من الأجهزة الرقابية، بما فيها هيئة التفتيش المركزي، الى الهيئة، بل «انها وضعت منذ عشر سنوات مكتبا خاصا لديها بتصرف هيئة التفتيش المركزي، يعمل على نحو جاد ودائم منذ ذاك الوقت وحتى اليوم، وتقوم الهيئة بتنفيذ وتطبيق كل بنود ومندرجات البرنامج السنوي لهيئة التفتيش المركزي لدى هيئة أوجيرو الذي يحدد عمل المفتشين ويوافق عليه رئيس هيئة التفتيش المركزي (...) ولم يصدر أي كتاب او اشارة او ملاحظة بحق الهيئة والقيمين عليها لجهة اي تقصير او مخالفة ادارية او مالية او هندسية، بل ان الاجهزة الرقابية، بما فيها هيئة التفتيش المركزي، تنوه دوما بعمل هيئة اوجيرو والقيمين عليها، واضعة تقييم ادائهم في المرتبة الاولى بين كل المؤسسات والادارات والهيئات الرسمية العامة برتبة امتياز».

المفتشية العامة المالية في التفتيش المركزي ردّت على يوسف بما يلي:

- أولّاً: إن لجنة تقييم اداء موظفي الفئة الاولى في التفتيش المركزي لم تجتمع منذ اكثر من ثلاث سنوات وبالتالي فانه يتحدث عن تقييم اداء سابق مر عليه الزمن.

- ثانياً: إن يوسف يمنع أيّ موظف من اعطاء أيّ معلومة للتفتيش المالي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتأكيداً على ذلك، المذكرة المرفقة التي تخالف نص المادة 11 من قانون هيئة اوجيرو والمادة 19 من المرسوم الاشتراعي رقم 115/59 (انشاء التفتيش المركزي) التي توجب على اية مؤسسة عامة أو إدارة عامة ان تضع بتصرف المفتشين أيّ مستند مطلوب من دون رجوع الموظف إلى رئيسه التسلسلي.

- ثالثاً: إن قول يوسف أن ادارته على تواصل مع التفتيش الاداري والهندسي هو في غير محله القانوني لان هيئة اوجيرو لا تخضع الا لرقابة التفتيش المالي.

- رابعاً: إن يوسف حاليا هو موضوع تحقيق جار في المخالفات المشار اليها اعلاه وخصوصا ما يتعلق منها بالتعويضات المالية الخاصة به، التي لا يريد تقديم المستندات بشأنها وهو قال للمفتشين حرفيا بأنه «يستقيل ولا يقدم هذه المستندات».

يوسف اتهم المفتش العام المالي صلاح الدنف باصدار هذا البيان للايحاء «بأنه يتكلم باسم هيئة التفتيش المركزي مجتمعة ويحاول انتحال صفة ليست له ويتوسل صلاحية ليست من صلاحياته». الا ان اللافت في رد يوسف انه يتحدّث باسم هيئة التفتيش المركزي لا باسم هيئة اوجيرو، اذ اعتبر ان المفتشية العامة المالية «لا تعكس مطلقا رأي هيئة التفتيش المركزي لا من قريب ولا من بعيد، ولا تمثلها»، و»اكّد» يوسف «أن هيئة التفتيش المركزي براء من كل ما جاء في البيان الصادر عن صلاح الدنف ولم يكن لها علم به ولم تطلع عليه، ولا توافق عليه لا شكلا ولا مضمونا»!

واتهم يوسف الدنف باستغلال النفوذ، وقال «إن هذا السلوك الإنفعالي المتهور ليس بغريب عن صلاح الدنف، بل إنه سمة دائمة من سمات حياته المهنية المأزومة التي باتت مجال تندر وحكايات وأقاصيص في أروقة ومكاتب وممرات هيئة التفتيش المركزي، وبات يعلمها القاصي والداني. هذه الهيئة التي يعطل عملها صلاح الدنف منذ أكثر من 3 سنوات، مقاطعا جلساتها بهدف ابتزازها للحصول على تعويضات مالية إضافية ترفض الهيئة تخصيصه بها».

وهدد يوسف بتقديم شكوى قضائية ضد الدنف أمام المراجع القضائية المختصة. ونصحه بتوفير جهده «للدفاع عن نفسه في ملفات المخالفات المالية العديدة المرفوعة ضده شخصيا لدي هيئة التفتيش المركزي ولدى ديوان المحاسبة».