في الوقت الذي كان فيه أهالي العسكريين المخطوفين، من قبل جبهة "النصرة" الإرهابية، يواكبون التطورات للتأكد من إتمام الصفقة، التي عرقلت مرات عديدة نتيجة الشروط التي سعت الجبهة لإضافتها إلى مطالبها، كانت مواقع التواصل الإجتماعي تشتعل بمواقف متناقضة، هي مزيج من الترحيب بعودة العسكريين، والتحسّر على هيبة الدولة الضائعة بسبب ما نقلته شاشات التلفاز إلى داخل منازلهم.

في هذا السياق، كان هناك شبه إجماع على الدور الذي يقوم به مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كان حاضراً شخصياً لمواكبة كل التفاصيل، مذكراً بالأدوار التي سبق أن لعبها في تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا، والرهان عليه أيضاً لمعالجة قضايا مشابهة، حيث كانت صوره حاضرة إلى جانب عناصر الأمن العام قبل ساعات من إتمام الصفقة، إلى جانب العديد من التحيّات التي وجهت له.

في المقابل، كانت الإنتقادات توجه إلى الحكومة مجتمعة، في مشهد يوحي بأن ما حصل كان نكسة وليس إنتصارا، وهي وصلت إلى حد القول بأن ما يجري هو إعلان نهاية الدولة بشكل كامل، أو على تأكيد على عدم وجودها من الأصل، إلى جانب التعبير عن الإحباط من مشاهد إنتشار عناصر الجبهة الإرهابية داخل بلدة عرسال، التي من المفترض أنها لا تزال جزءاً من الأراضي اللبنانية، ما دفع بالكثيرين إلى إعادة التذكير بالحملة التي شُنَّت ضد وزير الدفاع السابق فايز غصن، عندما تحدث عن تواجد عناصر تابعة لتنظيم "القاعدة" داخل البلدة البقاعية، حيث انتشرت تعليقات تتحدث عن أن "التبادل لايكون تحريراً حين يكون ذليلاً"، وأخرى تقول: "مبروك ل​جبهة النصرة​ انتصارها... وغودلاك (Good Luck) للدولة اللبنانية"، و"تحرير العساكر اللبنانيين الفرحة كتير كبيرة بس للاسف ممزوجة باشمئزاز من اللي بتسمي حالا دولة"، و"تحرير العساكر اللبنانيين باتفاقية بعيدة عن الكرامة".

في الوقت نفسه، إنتشرت التعليقات التي تشير إلى دور "حزب الله" في الحرب على الإرهاب، عبر القول: "لولا هزيمة جبهة النصرة في تل موسى والجبّة وعسال الورد وفليطة ورأس المعرة وجرود عرسال والتضحية التي قدمها حزب الله وتضييق الخناق عل جبهة النصرة لم تكن الحرية لجنود الجيش"، بالإضافة إلى المقارنة مع عمليات التبادل التي كانت تحصل مع إسرائيل، "حيث لم يكن هناك من يوجه الشكر لها بعد إنجازها"، إلى جانب أخرى تتناول دور الشيخ المطلوب من القضاء اللبناني مصطفى الحجيري، لا سيما بعد تواجده إلى جانب عناصر "النصرة"، حيث كان وسم (هاشتاغ) "يلعن أبو مالك عأبو طاقية" ضمن لائحة الأبرز في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، طرحت من قبل المواطنين جملة من التساؤلات، حول موقف الجهات الرسمية من تواجد الجماعات الإرهابية ضمن الأراضي اللبنانية بعد إنتهاء عملية التبادل: "هل تقدم على القيام بأي عملية عسكرية؟" "هل باتت أيام الجبهة في المنطقة معدودة؟"، إلا أن المفاجأة كانت من خلال البنود التي أعلن عنها ممثل مؤسسة "لايف" الناشط الحقوقي نبيل الحلبي، والتي تضمنت "جعل منطقة وادي حميد منطقة آمنة"، الأمر الذي لم يكن من السهولة هضمه، بالرغم من تأكيد اللواء إبراهيم أن الصفقة تمت بـ"شروط تحفظ السيادة وأقل من ذلك لا يمكن".

على صعيد متصل، لم تكن وسائل الإعلام بعيدة عن موجة الإنتقادات، وجه أبرزها إلى قناة "الجزيرة" ومراسل قناة الـ"MTV" حسين خريس، على خلفية تغطيتهم عملية التبادل من نقطة تجمع عناصر "النصرة"، خصوصاً بعد أن أصرّت الجبهة على منع باقي المحطات التلفزيونية من التوجه إلى المكان، بالإضافة إلى الأسئلة التي وجهت من قبل بعض المراسلين للمخطوفين بعد إطلاق سراحهم، من دون تقدير الحالة النفسية التي هم عليها، إلا أن الأبرز تبقى المواقف التي أطلقت ضد الحكومة القطرية، لا سيما أنها تشارك دائماً في عمليات التفاوض التي تحصل، نظراً إلى علاقاتها مع مختلف الجماعات المسلحة العاملة على الأرض السورية، ما دفع البعض إلى القول: "شكراً قطر بتخطفينا وبترجعينا"، و"قطر تأمر جبهة النصره بإخلاء سبيل العسكريين اللبنانيين"، و"قطر المتحدث الرسمي للإرهاب"، و"تحرير العساكر اللبنانيين من تأليف قطر وحوار قطر وتنفيذ قطر وتمثيل قطر وسجن قطر ووساطه قطر وأموال قطر وإفراج قطر وتصوير قطر وبث في قطر".

على الرغم من هذه الصورة السوداوية، كانت هناك الكثير من التعليقات المناقضة، التي أصرت على التعبير عن فرحها بتحرير العسكريين من أيدي "النصرة"، والدعوة إلى تقدير الموقف الذي كان فيه قبل توجيه الإنتقادات لهم، على خلفية توجيههم الشكر إلى أمير الجبهة أبو مالك التلي قبل تسليمهم إلى جانب اللبناني، عبر القول: "هيدا إنجاز بيستحق التقدير... كل الخير لعسكرنا ولاهاليهم"، و"عسكرنا مفضل علينا كلنا مش كل حزب يطلع يقول طلعوا بفضلنا"، و"جزء كبير من كرامة الوطن عاد بعودة عسكره... يبقى علينا ألا ننسى أن حريتنا اليوم منتقصة ببقاء عسكريين 9 محتجزين لدى داعش"، و"اليوم عيد على أمل تحرير البقية لتكتمل الفرحة"، و"اجر كل عسكري بتسوى كل الارهابيين ومن يدعمهم".

في المحصلة، هذه صورة عن الحالة الشعبية التي رافقت عملية التبادل مع "النصرة"، لكن الأكيد أن تداعياتها ستكون كبيرة في المرحلة المقبلة، إلا أن الأهم أن هناك من سيعود إلى عائلته اليوم بعد أشهر طويلة من الأسر من قبل أبرز الجماعات الإرهابية على مستوى العالم.