ليست العجائب التي يجترحها "حبيس عنايا"(1)باسم ​يسوع المسيح​ بالقليلة أو العادية، فهي جزء لا يتجّزأ من انسانيته وروحانيته التي تأبى أن يرى معذّبًا أو متألّمًا أو تائهًا ولا يحرّك ساكنًا، فهو العامل في الأرض منذ كان مبتدئًا في الدير حيث اختبر الجهد القاسي مع العمل في التربة، وهو الانسان الّذي استثمر وقته في الصلاة الى حدّ الهيام والالتصاق بالله الخالق. هذا القديس الإستثنائي أحبّ الله في حياته فكرّسها للعمل والصلاة.

أن تكون متعباً من المشاكل التي أثقلت كاهلك أو يائساً من مصاعب الحياة ليس جديداً على البشر الذين وجدوا في ​دير مار مارون عنايا​ ملجأ لهم، فعند قبر هذا القديس وضعوا كلّ الهموم، ومن خمر محبته لله ولهم إرتووا فنالوا بشفاعته نعمًا كثيرة ومن بينها نعمة الشفاء.

كانت حياة شربل على الأرض مثالاً للقداسة، هو الذي ترك كلّ الدنيا واستحبس في محبسة "القدّيسين بطرس وبولس" في عنّايا كانت الصلاة خبزه اليومي فيها. اليوم يكافئ الآب السماوي الأب شربل مخلوف الراهب اللبناني الماروني على محبّته فلا يردّ له طلبًا عبر منحه نعمة صنع العجائب بشفاعته، وما سجلّ العجائب في دير مار مارون عنايا-ضريح القدّيس شربل إلا خير دليل على ذلك.

مار شربل​ المسلم

لم تقف عجائب شربل عند عتبة المسيحيين بكافة أطيافهم هو الذي غاص عميقاً في بحر الديانات ليصبح عابرًا للطوائف وكاسراً ما يُشاع بأنه قدّيس للمسيحيين فقط، فيومياً يقصد عنايا المئات لا بل الآلاف من الأشخاص متضرعين له وطالبين منه النعم.

يوسف حرّوق من والد سني وزوجة مسيحيّة إبن الإثني عشر عاماً واحد من الذين نالوا نعمة الشفاء بشفاعة شربل، هو الذي وصل الى حافة الموت بعد توقف عمل الكِلَى، مشوار المعاناة الطويل ترويه الوالدة رولا حروق لـ"النشرة"، هي التي تدمع عيناها ويختنق صوتها في كلّ مرّة تتذكّر فيها رحلة العذاب تلك: "أدخلت إبني الى المستشفى في إحدى الليالي وكان يعاني من إلتهاب في الزائدة فما كان من الطبيب إلا أن شرح لنا أن الوضع يستوجب إجراء جراحة للطفل ليتريّث بعدها كون التحاليل الطبيّة لم تثبت شيئًا، لكنه إرتأى في نفس الوقت حقن الطفل بـ"إبرة ملوّنة" وهذا ما حصل"، وتضيف: "خرجنا بعد أيام من المستشفى فإذا بالطفل يصاب بنوبة لنعود وندخله من جديد الى المستشفى ليظهر أن كليتيه توقف عملهما بفعل عدم إعطاء الكمية الكافية من المياه قبل إجراء الحقنة".

في المبدأ طفل من أصل ثلاثة ينجو عند إخضاعه لغسيل الكلى، وهذا ما أبلغه الطبيب لرولا التي كان وقع الخبر عليها صاعقاً، فما كان منها إلا أن هرعت إلى سيّدة زحلة تطلب وتترجّى نجاة ابنها.

وبين الصلاة والمستشفى تتّصل بها خالتها قبل التوجه الى العناية الفائقة، قتقبل الانتظار، وعلى وقع الدقائق التي بدت دهرًا من الزمن تصل الخالة حاملة "ذخيرة" من ثوب مار شربل وهي متأكّدة أنها الدواء الوحيد الذي سينتشل الطفل يوسف من براثن الموت. لم يطل إنتظار رولا كثيراً لتحصل على النعمة الإلهيّة، هي التي آمنت وطلبت من الربّ يسوع بشفاعة قديسه شربل أن يكون الى جانب يوسف، فإستجاب لها وإختصر رحلة عذابها في عشرين يوماً أمضتها الى جانب إبنها في المستشفى ليخرج سالماً معافى يحمل علامةً ستميّزه حتى النهاية إنها علامة شفائه بنعمة إلهية!

شفاء خادم كنيسة "يواكيم وحنة"

إذا أردنا احصاء النعم التي يحصل عليها المواطنون اللبنانيون وغير اللبنانيين في القارات الخمس بشفاعة القدّيس شربل، من المؤكّد أن الكلام عنها أو أوراق العالم لا تكفي لتسجيلها والاعلان عنها، وأعجوبة شفاء يوسف حروق ليست الوحيدة، فلقزحيا واكيم خادم كنيسة "يواكيم وحنة" (والدا مريم العذراء) قصّة أخرى مع "حبيس عنايا"، هو الذي أمضى حياته جاراً للدير وخادماً فيه. يروي قزحيا قصّة عشقه للقديس شربل ومحبّته له. وعندما نسمع روايته بما حصل معه ببالغ الأثر لا بدّ من أن يأخذك القدّيس شربل الى عالم السماويات حيث لا توجد الا المحبة ولا شيء غيرها اطلاقًا: "بعد أن ضاقت بي الدنيا وصعب عليّ إكمال المسيرة بسبب معاناتي من كسل في عضلات القلب استوجبت وبعد استشارة عدد كبير من الإختصاصيين إجراء تمييل ووضع "بطارية"، قصدت شفيعي وطبيبي "شربل" قبل يوم من دخولي المستشفى وعند قبره ركعت وصليت له وطلبت منه أن يرافقني خلال الجراحة". ويضيف: "لم تقتصر زيارتي لدير عنايا على هذا فقط فهناك قصدت المسؤول عن تسجيل عجائب القديس شربل الأب لويس مطر وأخبرته قصتي فطلب مني الصلاة ليلاً واعطاني قطعة من ثوب شربل لأضعها في ماء وأشربها وهكذا فعلت".

في اليوم التالي دخل قزحيا المستشفى مستعداً لإجراء الميل مع خوف يتملّكه من النتيجة في نفس الوقت. وأمضى خمس ساعات في غرفة العمليّات كان فيها بكامل وعيه يراقب ما يحصل مع ازدياد نسبة القلق لديه. فجأة سأله الطبيب: "ماذا حصل معك يا قزحيا عند إجراء الفحوصات الأخيرة كان الكسل في عضل القلب واضحاً والشرايين تعبة، ومنذ الصباح الباكر ونحن نحاول الكشف على تلك الشرايين المتعبة ولم نجد شيئاً، أنت بكامل صحتك فكيف ذلك؟!". وهنا أدرك قزحيّا عندها أن شربل إستجاب طلبه وشفاه.

الربّ نبع النعم

"ليتمجّد إسم الربّ فهو عظيم بقديسيه" بهذه العبارة يختصر راعي أبرشية جبيل المارونية ​المطران ميشال عون​ كلّ الكلام عن العجائب التي يجترحها القديس شربل. ويشدّد عبر "النشرة" على ضرورة عدم نسيان أن "الربّ هو نبع النعم وأن العجائب يصنعها الأخير بشفاعة "شربل". ويعتبر أنه "لا يجب أن تكون عنايا وجهة المؤمنين لطلب حاجة أو شفاء ما، بل التضرّع له ليملأ قلبنا من الحبّ الذي ملأ قلب "شربل" منه وأن نعيش بالقرب من يسوع كما هو عاشه". مؤكداً على أن "رغبتنا الأساس أن تكون كيف نتقدس في مسيرة حياتنا ويكون شربل مثالاً لنا".

أحبّ شربل الله الى درجة أنه ترك كل شيء وتبعه فإستحق لقب شربل "سكران بالله" واليوم يكافؤه الربّ على مسيرته ويمنح البشر نعمًا لا تُحصى ولا تُعدّ، ويستجيب طلباتهم بشفاعته هذا القديس العظيم الذي تخطت عجائبه لبنان لتمتد الى أصقاع العالم!

تصوير يورغو رحال

(1)توفي القدّيس شربل ليلة عيد الميلاد في 24 كانون الأوّل عام 1898 بعد نزاع دام تسعة أيام.