في 19 أيلول 2014، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية "تحالفًا" عسكريًّا دوليًّا ضُد تنظيم "داعش" الإرهابي، نفّذ حتى اليوم آلاف الغارات الجويّة، لكنّ ضعف النتائج على الأرض بعد مُضيّ سنة وثلاثة أشهر على بدء هذه الحملة العسكريّة، أدّى إلى تصاعد الشكوك بشأن جدّيتها. وفي 30 أيلول الماضي، أي منذ نحو ثلاثة أشهر، أطلقت ​روسيا​ الإتحاديّة مُنفردة حملة عسكريّة قويّة في سوريا ضُد تنظيم "داعش" ومختلف "التنظيمات الإرهابيّة" بحسب موسكو، فهل النتائج الميدانيّة أفضل ممّا تحقّق على يد الحملة الجويّة بقيادة أميركا، وهل هجمات موسكو على "داعش" أكثر جدّية من هجمات واشنطن عليه؟

الخبراء العسكريّون الغربيّون يرفضون الحديث عن جدّية الحملة العسكريّة الروسيّة في مُقابل عدم جدّية الحملة العسكريّة الأميركيّة، ويدعون إلى التفريق بين الهجمات الجويّة لإضعاف قوى الخُصوم والهجمات الجويّة المُترافقة مع هجمات برّية للسيطرة على مناطق الخُصوم. وأكّد هؤلاء أنّ الأمر مُرتبط حصرًا بوجود قوى برّية مُستعدّة وقادرة على مُؤازرة حملة القصف الجوّي بهجمات برّية فعّالة أو عدمه. وتابع الخبراء أنفسهم كلامهم بالتشديد على أنّ مدينة "عين العرب" السوريّة (​كوباني​ بحسب التعريف التركي) تحرّرت من قبضة مُسلّحي "داعش" في 26 كانون الثاني 2015 بدعم حاسم من غارات "قوّات التحالف" بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة، لأنّ الكلمة الفصل كانت للقوّات الكرديّة التي قاتلت بشراسة ولفترة طويلة لطرد "داعش". وقد تكرّر هذا "السيناريو" بالعناصر نفسها في مدينة "تل أبيض" الحدودية الإستراتيجيّة مع تركيا، حيث إستعادتها القوّات الكرديّة في 16 حزيران من العام الحالي. وأوضح هؤلاء الخبراء العسكريّون أنّ ما يحصل في مدينة الرمادي حاليًّا يُشكّل مثالاً آخر على فعاليّة الغارات الجويّة عندما تكون مدعومة بهجمات من قوّات برّية. وتوقّع هؤلاء إستعادة السيطرة على المدينة(1)في الأيّام المُقبلة. وأوضحوا أنّ ما يحصل حاليًا أنّ طائرات التحالف الأميركي تُواصل قصف مواقع وآليّات نحو 400 إلى 500 مُسلّح من "داعش" يتحصّنون في المدينة، في الوقت الذي يشنّ الجيش ​العراق​ي هُجومًا برّياً من جهة الشمال، مدعومًا بهجوم آخر بعيدًا عن الإعلام من قبل ميليشيات شيعيّة تدرّبت وتسلّحت بمساعدة إيرانيّة من جهة الجنوب. وبالتالي، بحسب الخبراء الغربيّين، إنّ غارات التحالف بقيادة واشنطن تكون فعّالة عندما تُواكب بهجمات من قوّات ميدانيّة، كما حصل سابقًا في بلدة تكريت ومجمع مصفاة بيجي والطريق السريع الذي يصل بين المُوصل والرقّة عبر سنجار.

وبالمُقارنة مع التدخّل العسكري الروسي في سوريا، فإنّ هذا الأخير بدا أكثر فعاليّة بكثير من التدخّل العسكري الأميركي، لأنّه إستفاد من قوّات مُقاتلة برّية على الأرض من اليوم الأوّل للغارات الجويّة وللقصف الصاروخي من البوارج في البحر. ف​الجيش السوري​ والقوى الحليفة له، شنّت عشرات الهجمات في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بمواكبة من الطيران والقصف الروسي. ولفت هؤلاء الخبراء إلى أنّ هذه الهجمات الميدانية لم تستهدف "داعش" إلا في ما نَدر، حيث كان التركيز فيها على خطّ إستراتيجي كان الجيش السوري وحلفاؤه يُحاولون فرضه منذ أكثر من سنتين، حيث تحوّلت النتائج الإيجابيّة المحدودة والبطيئة جدّاً التي كانوا يُحقّقونها إلى نتائج ناجحة وسريعة، علمًا أنّ تواجد مُسلّحي "داعش" في المناطق التي أعطيت الأولويّة في الهجوم الروسي-السوري-الحليف محدود جدًا.

وفي السياق عينه، وبحسب تقرير بحثي أميركي عن الخسائر التي مُني بها تنظيم "داعش" طوال العام 2015 الحالي، تبيّن أنّ هذا التنظيم الإرهابي خسر على مدى سنة كاملة نحو 14 % من المساحات الجغرافيّة التي كان يُسيطر عليها في نهاية العام 2014. ولفت التقرير إلى أنّ مُعظم هذه الخسائر تركّزت في المناطق الكرديّة، ولا علاقة للحملة الروسيّة العسكريّة بهذا التراجع، بل كان للحملة العسكرية بقيادة أميركا الدور المُؤثّر فيها.

وممّا سبق، يُمكن التأكيد أنّ الحملة العسكريّة الروسيّة عالية الفعاليّة وهي ساعدت الجيش السوري والقوى الحليفة كثيرًا في تحقيق تقدّم ميداني كبير، لكنّ تأثيرها على "داعش" محدود جدًا، بينما الحملة الأميركيّة على هذا التنظيم "الإرهابي" ساعدت كثيرًا القوَى التي تُهاجم مُسلّحي التنظيم، خاصة القوات الكرديّة في سوريا و​الجيش العراقي​ والقوى الشعبيّة الداعمة له في العراق. وبالتالي، لا يُمكن الحديث عن جدّية الحملة الروسيّة وعدم جدّية الحملة الأميركيّة، حيث أنّ أهداف الحملتين مُختلفتان تمامًا، ونتائج الحملة الأميركيّة ضُدّ "داعش" هي أكبر من نظيرتها الروسيّة، حيث أنّ نجاحات الحملة الروسيّة تتركّز ضُد القوى التي تُقاتل الجيش السوري عُمومًا وهي جدّ محدودة ضُدّ "داعش" بالتحديد، بعكس ما تتحدّث عنه وسائل الإعلام الروسيّة وتلك المُؤيّدة لها.

(1)تُعتبر كبرى مدن مُحافظة الأنبار، مع التذكير أنّ الرمادي التي تبعد مسافة مئة كلم. تقريبًا إلى الغرب من بغداد، كانت وقعت بيد التنظيم الإرهابي في 17 أيّار الماضي.