لا تتوقّف الحرب ضدّ "حزب الله" على استعمال القوة العسكرية، فللحرب وجوهٌ كثيرة، والولايات المتحدة الاميركية أكثر من يعرف استعمال هذه الوجوه، لذلك وقّع الرئيس الاميركي باراك اوباما في الشهر الاخير من العام المنصرم على قانون يوسّع العقوبات ضدّ "حزب الله"، افرادًا ومؤسسات، وتم ابلاغ ​المصارف اللبنانية​ بالاجراءات الجديدة، التي من ضمنها إقفال حسابات نواب "حزب الله"، التي فيها حجم تداولات كبيرة على حساباتهم بالعملة الصعبة.

في الصيف الماضي، اتهمت الولايات المتحدة رئيس مجلس إدارة بنك الشرق الأوسط وأفريقيا قاسم حجيج بدعم "حزب الله"، وفرضت عليه عددا من العقوبات دفعته لتقديم استقالته وانتخاب مجلس ادارة جديد للمصرف، وقبل حجيج شواهد كثيرة على التدخل الاميركي الواضح في الشؤون المصرفية اللبنانية تحت ستار التهمة المعروفة "دعم حزب الله". ولكن ما حصل منذ اسابيع أظهر ان عددا من المصارف اللبنانية قد ذهب إلى ابعد من قرار اوباما.

وفي التفاصيل التي علمت بها "النشرة" ان مصرفاً لبنانياً بارزاً قرّر منذ اسابيع اقفال حسابات نواب "حزب الله" المخصّصة لتوطين رواتبهم من المجلس النيابي بالليرة اللبنانية، بحيث شكل الامر مفاجأة لكل من علم به، ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري يومها للتدخل ووقف قرار المصرف ومنعه من تنفيذ ما ينوي القيام به، محذرا المصارف من المساس بحسابات النواب خصوصا انهم يقبضون رواتبهم من خزينة الدولة وبالليرة اللبنانية، وبالتالي فلا يوجد اي مبرر للتعرض لهذه الحسابات. الا ان الملف لم يقفل في ذلك الحين، فقد عاد الحديث عن عقوبات تطال حسابات نواب "حزب الله" في المصارف اللبنانية الى الواجهة مجدّدًا بعد ان تبلغت جمعية المصارف القرار الاميركي. وهنا يؤكد رئيس جمعية المصارف السابق ​فرنسوا باسيل​ في حديث لـ"النشرة"، ان لبنان يطبق اولا قوانينه الخاصة ويطبق قوانين الدول التي يقوم بعمليات متعلقة بعملتها، وان امتنع عن ذلك عليه ان يمتنع عن التعامل بتلك العملة.

واذ يؤكد باسيل ان القرارات الاميركية هي قرارات سياسية بامتياز ولا علاقة لها باصلاح مالي او مكافحة تبييض الاموال، يشدد على ان "العملة المعتمدة في 75 بالمئة من الودائع المصرفية في لبنان هي الدولار، وبالتالي ان لم تلتزم المصارف بما يصدر عن وزارة الخزانة الاميركية سيتجه البلد نحو الافلاس".

وعلمت "النشرة" ان جمعية المصارف ابلغت البنوك بما وصل اليها، وان الاجراءات الاميركية الجديدة ستطال المقربين من "حزب الله" أيضا وربما أكثر. وفي هذا السياق تشير مصادر مطلعة لـ"النشرة" الى انه رغم توقيع لبنان على اتفاقيات مالية دولية واميركية، الا ان بعض المصارف تذهب بعيدا وكأنه ليس هناك سيادة لبنانية على الاطلاق، وهي تستخدم القوانين لمحاربة تجار لبنانيين عاديين لا علاقة لهم بالسياسة مطلقا، تماما كما حصل في العام 2011 عندما فرضت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات مالية ضخمة على البنك اللبناني الكندي متهمة اياه بتبييض اموال المخدرات، لينتهي الامر بتصفية المصرف، وضرب شركات لتحويل الاموال كانت تتعامل معه، مملوكة من قبل رجال اعمال لبنانيين لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد". وتضيف المصادر: "كذلك يجوز هنا التذكير بما حصل منذ اسابيع قليلة عندما قررت وزارة الخزانة الاميركية ضرب مجموعة "ستارز غروب هولدينغ"، فأطلقت تجاهها اتهامات بمساعدة حزب الله".

وتشدد المصادر على ان الامور وصلت الى مكان خطير، "فتبعية بعض المصارف اللبنانية للسياسة المالية الاميركية بدأت تشكل خطرا مباشرا على كل من ينضوي تحت راية مذهب معين"، على حد تعبيرها، الامر الذي دفع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله للتدخل والحديث علنا في خطاب الشهر الماضي عن خطورة هذا الوضع، لافتة الى ان استمراره سيكون له تداعيات سلبية على مختلف الاصعدة.

لا توفر الولايات المتحدة الاميركية اي وسيلة لمواجهة "حزب الله"، ومن هم في بيئته، حتى وان لم يكن لهم علاقة بالحزب، وهنا تكمن الخطورة فنواب الحزب يعلمون بما ينتظرهم من تحديات، وهم كما حزبهم مستعدون لها، ولكن التجار العاديين لا يستطيعون الصمود ان لم تقف دولتهم الى جانبهم، لا أن تكون ضدهم تلبية لاوامر خارجية كما حصل مرات كثيرة.