ما كاد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ يُعلن دعمه لترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجُمهوريّة، وقيام رئيس "تيّار المردة" النائب سليمان فرنجيّة باعلان إستمراره بترشيحه للرئاسة بدوره، حتى إنطلقت التحليلات والتكهّنات بشأن الأصوات النيابيّة التي يُمكن أن يكسبها عون أو فرنجيّة في حال إلتقيا في معركة ديمقراطيّة تحت قبّة البرلمان. فهل هذه المُنافسة بين مُرشّحي "​8 آذار​" سابقًا، ومرشّحي فئات مُحدّدة من "14 آذار" حاليًا، ستحصل خلال الجلسة النيابيّة الخامسة والثلاثين المُزمع عقدها في الثامن من شباط المُقبل، أم أنّ فرنجيّة سينسحب لصالح العماد عون في مُقابل مكاسب مُعيّنة قد يُقدّمها له من "يعرف عنوان منزله"؟

بحسب كل المُعطيّات المُتوفّرة حاليًا إنّ النائب فرنجيّة لا يزال مُتمسّكًا بترشيحه، وهو يَنوي عدم التراجع بسهولة عنه، خاصة وأنّ رئيس "تيّار المُستقبل" النائب سعد الحريري مُصمّم على مُتابعة العمل على إنجاح مُبادرته الرئاسيّة، ومعه مروحة من الأفرقاء السياسيّين الأساسيّين. والأهمّ من ذلك أنّ "حزب الله" لم يتدخّل حتى الساعة لدى الزعيم الزغرتاوي لحمله على سحب ترشيحه. أكثر من ذلك، إنّ أغلبيّة الإحصاءات الجدّية التي يتمّ تنفيذها منذ شهرين حتى تاريخه، تُظهر تقاربًا كبيرًا في الأصوات النيابيّة التي قد ينالها كلّ من المُرشّحين، مع أفضليّة طفيفة للنائب فرنجيّة الذي يُتابع جُهوده برويّة وصمت لكسب المزيد من التأييد المحلّي والدَولي.

في المقلب العَوني، الصورة مُختلفة تمامًا، حيث أنّ المعلومات المُتوفّرة تؤكّد رفض العماد عون التوجّه إلى مجلس النوّاب للتنافس مع أيّ مُرشّح، أكان فرنجيّة أم غيره، حيث أنّ "الجنرال" مُصمّم على الإستمرار بتطبيق سياسة مُقاطعة الجلسات، والتي جاراه فيها "حزب الله" وبعض قوى "8 آذار" الحزبيّة الصغيرة، إعتبارًا من الجلسة الثانية للإنتخابات حتى اليوم. وبحسب المعلومات أيضًا إنّ العماد عون يعتبر أنّ إنتخابه رئيسًا يجب أن يتم بأغلبيّة كبيرة داخل المجلس وبتوافق سياسي وطائفي واسع، وهو بالتالي غير مُستعدّ للدخول في مُواجهات ديمقراطيّة مع أحد، خاصة وأنّه يخشى أن يكون ذلك بمثابة فخّ يُنصب له، للإلتفاف على ترشيحه وربّما لتمرير أيّ إسم آخر في اللحظة الأخيرة، خاصة في حال فشل هو وفرنجيّة في نيل أغلبيّة النصف زائد واحد إعتبارًا من الجلسة الثانية من التصويت.

وفي ظلّ إستمرار فرنجيّة في معركته الإنتخابيّة، وفي ظلّ رغبة "الجنرال" بعدم التوجّه إلى أيّ جلسة قبل حُصول توافق مُسبق على إسمه للرئاسة، يُواجه "حزب الله" حالاً من الإرباك الشديد، علمًا أنّ شعور الحرج ينسحب على قوى "8 آذار" بنسبة أعلى من قوى "14 آذار"، باعتبار أنّ المرشّحين الحاليّين حليفان. وفي هذا السياق، وبعيدًا من الإعتبارات الإقليميّة والدَوليّة التي يأخذها "حزب الله" ضُمن أولويّاته في حسابات رئاسة الجُمهوريّة، يعرف "الحزب" أنّ أيّ مُواجهة بين حليفيه عون وفرنجيّة سيكون لها إرتدادات سيّئة على تحالف "8 آذار"، علمًا أنّ "الحزب" الذي يحسب خطواته الإستراتيجيّة بتأنّ وبدقّة عالية، لا يُمكنه أن يترك مصير منصب الرئاسة ونتيجة الإنتخابات للصدفة ولمعركة غير محسومة النتائج سلفًا. ومن ضُمن المشَاكل التي يُواجهها "حزب الله" حاليًا أنّه مُلتزم سياسيًا وأخلاقيًا مع العماد عون، وفي الوقت عينه لا يُريد توجيه ضربة سياسيّة شديدة لحليفه الآخر فرنجيّة، عبر إسقاط فرصه بالرئاسة بتدخّل مُباشر منه. كما أنّ "حزب الله" لا يُريد منح "تيّار المُستقبل" الأفضليّة في إيصال فرنجيّة إلى الرئاسة، ولا منح حزب "القوّات اللبنانيّة" الأفضليّة في إيصال عون إلى الرئاسة أيضًا، لما لهذا الأمر من "ديون سياسيّة" سيكون على الرئيس المُنتخب تسديدها لاحقًا. ويعلم "الحزب" أنّ عليه في خياره الرئاسي أن يأخذ في الإعتبار علاقاته مع باقي الأفرقاء، أكانوا ضُمن صُفوف "الحلفاء" أو "الخصوم"، وعليه أن يتعامل من الآن فصاعدًا مع صيغة "حليف الحليف" التي كان يُطبّقها الآخرون تجاهه، خاصة بعد التقارب الكبير الذي حصل بين "القوّات" وحليفه المسيحي القوي أي "التيار الوطني الحُرّ".

وفي إنتظار وُضوح الصورة الإنتخابيّة بكاملها، بتحالفاتها الداخليّة وبامتدادتها الخارجيّة، وعلى الرغم من إشاعة أجواء إيجابيّة من جانبي "القوات" و"العونيّين"، الأرجح أنّ جلسة الثامن من شباط المُقبلة ستكون كسابقاتها، أيّ بدون نتيجة تُذكر، لأنّ المُعادلة الرئاسيّة لم تنضج بعد، خاصة في ظلّ الخلط الكبير للأوراق وللتحالفات الإنتخابيّة، وبسبب إرتباطها بالعديد من الملفّات الداخليّة المُهمّة الأخرى، مثل طبيعة الحكومة وقانون الإنتخابات والتعيينات الأمنيّة في قيادة الجيش وقوى الأمن، والتي لم يتحقّق أيّ خرق يُذكر فيها بعد.