لا يكاد يمرّ يوم الا ويتداول اللبنانيون في ملف رئاسة الجمهورية وتطوراته، والاهم الفراغ الذي لا يزال يفرض نفسه بقوة ولم يجد من ينزعه عن الكرسي الرئاسي. سيناريوهات كثيرة وضعت، وتطورات متسارعة حصلت، ومفاجآت لا تعد ولا تحصى سجّلت، الا ان النتيجة لم تتغير وبقي الفراغ صاحب الكلمة الاخيرة.

في صالونات السياسة، ينقسم المرء بين تيارين يحاولان جذبه اليهما لكنه ينتهي بالضياع والحيرة، فمؤيدو قوى "​8 آذار​" يتهمون الخصم السياسي لهم اي قوى "14 آذار" بعدم تسهيل ​الانتخابات الرئاسية​، فيما يحصل العكس تماماً من قبل مؤيدي قوى "14 آذار".

غير ان الواقع الحالي الاليم، يؤكد نظرية واحدة وهي ان الطرفين اتفقا على تمديد ولاية ​الفراغ الرئاسي​، كما اتفقا سابقاً على التمديد لمجلس النواب. وتطرح في الصالونات المذكورة الكثير من الاسئلة التي، اذا تم التوقف عندها، تفتح باباً منطقياً نحو الفراغ.

لماذا لا تقرر قوى "8 آذار" مرشحاً واحداً لها لتواجه به اي مرشح آخر، اذ كان الامر بداية محصوراً بين العماد ميشال عون ورئيس "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​؟ ليس كافياً القول ان انقسام الرأي بين مكونات هذه القوى يجعلها منقسمة بين عون والنائب ​سليمان فرنجية​، فالمواصفات المطلوبة للرئيس ليست حول الشخص بل حول المشروع وخطه السياسي ونهجه، وكلا المرشحين معروف بتوجهاته وميله السياسي وطريقة تعامله مع المستجدات، وما على "8 آذار" الا ان تختار واحداً منهما كما يحصل حالياً في انتخابات الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة حيث يتم اختيار مرشح واحد لكل منهما من بين سلسلة مرشحين، دون الاخذ في الاعتبار سوى انه ينتمي للخط السياسي للحزب.

في المقابل، من يمنع قوى "14 آذار" من اختيار مرشح واحد تلتف حوله، فيكسب بالتالي صفة لا يمكن اسقاطها وهي الشمولية والقبول من كل المكونات اللبنانية؟ واذا كانت هذه القوى تنادي بأن العقبة الاساس امامها هي "حزب الله" وخياراته وسلاحه، فكيف سيكون عون او فرنجية اقرب اليهم في هذه المسألة؟ هل يعتقد احد ان عون او فرنجية سيتخلى عن الحزب "كرمى لعيون" الآخرين؟ واذا سلمنا جدلاً ان اعجوبة ما حصلت بالفعل، وتمكن الرئيس الجديد من الوقوف سياسياً في وجه "حزب الله"، فما الذي سيقدمه عملياً؟ ان تجربة الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ لا تزال ماثلة في الاذهان، فهو انتقد "حزب الله" في الفترة الاخيرة من ولايته، ودخل معه في معركة كلامية قوية، فلم يقدم او يؤخر شيئاً، وها هو اليوم يرى نفسه مضطراً الى القبول بالسير في ملف التعيينات العسكرية التي راعت طلبات عون، رغم انه كان يعتبر نفسه حائط السد المنيع امام هذه الطلبات.

ويقيناً انه حتى لو تم الاتفاق على مرشح واحد من قبل اي من الفريقين، ستبرز عقبة اخرى غير متوقعة تفرض نفسها كعقبة اساسية امام وصول رئيس الى بعبدا، فهل يمكن تفسير ذلك سوى انه اتفاق بين الفريقين السياسيين حول التمديد للفراغ؟

الجميع يجزم ان التطورات في المنطقة هي التي ستكون الدواء الشافي للمعضلة الرئاسية في لبنان، وفي الوقت نفسه يدعو الجميع الى عدم انتظار هذه التطورات والتسوية المرتقبة لانها قد تطول، وفي غضون ذلك تبقى الحكومة واحة سلام وامان لجميع الافرقاء، واتى تفعيلها ليزيد من قيمتها وحجمها، واقناع الجميع انها قادرة على ملء الفراغ الرئاسي الى ان تتبدل الامور.

ترى ماذا ستكون عليه مواقف "8 و 14 آذار" اذا ما تم الاتفاق على احد المرشحين في احدى الليالي وبرغبة خارجية، او الاتفاق على مرشح ثالث سيعطى صفات التوافقي والميثاقي والمنقذ وغيرها؟ اي خط سياسي يكون قد انتصر؟ وهل الانتصار في الرئاسة كفيل بترجيح كفة احد الطرفين فعلاً، ام انه اعطي اكثر من حجمه؟