على وقع سير المعارك العسكرية في الميدان السوري، سقط ​مؤتمر جنيف​ الثالث نتيجة رفض قوى المعارضة، مدعومة من القوى الإقليمية التي تقف خلفها، الإستمرار في المفاوضات السياسية في ظل الإنتكاسات التي تعرضت لها، لكن لا يبدو أن التداعيات ستتوقف عند هذا الحد، لا سيما بعد الإتهامات التي وجهتها ​روسيا​ إلى تركيا، لناحية دعم المجموعات المسلحة والتحضير لعملية عسكرية في الداخل السوري، من المرجح أن يكون لها نتائج خطيرة، فهل تقدم أنقرة على هذه المغامرة؟

من حيث المبدأ، لم يعد أمام المسؤولين الأتراك إلا الذهاب إلى هذا الخيار، لتفادي خسارة كل الرهانات التي علقوها طوال السنوات السابقة، أي منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011، وبالتالي أصبحت العملية العسكرية مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع العلم أنها كانت دائماً موضوعة على بساط البحث، تحت حجج عديدة أبرزها إبعاد خطر تنظيم "داعش" وقوات "حماية الشعب الكردي" عن الحدود، خصوصاً أن نتائج العمليات العسكرية التي تقودها موسكو لا تجري كما تشتهي سفن أنقرة بأي شكل من الأشكال.

قبل الإنتكاسات التي تعرضت لها في ريف حلب، لا سيما بعد فك الحصار عن مدينتي ​نبل والزهراء​، كانت قوى المعارضة تسعى إلى الوصول إلى وقف إطلاق نار يحد من نزيفها، بعد أيام على خروج ريف اللاذقية من دائرة العمليات العسكرية، إلا أن الرد الروسي كان حاسماً بالرفض، عبر التأكيد بأن ليس هناك ما يدعو إلى ذلك، طالما أن التهديدات الإرهابية لا تزال قائمة، فكان قرار رفض الدخول في أي مفاوضات سياسية، مباشرة أو غير مباشرة، مع الحكومة السورية.

وفي ظل القرار الروسي السوري الواضح، بالإستمرار في معادلة الحسم العسكري حتى النهاية، أثبتت قوى المعارضة المسلحة بكافة إنتماءاتها أنها عاجزة عن المواجهة، لا سيما أن الغطاء الجوي، الذي أمنته موسكو بعد تدخلها في الحرب، قلب موازين القوى رأساً على عقب، وهي كانت تفضّل أن تكون الجبهة التالية لريف اللاذقية في إدلب لا في حلب وأريافها، ما يدفع إلى طرح التساؤلات حول ما إذا كانت تركيا ستكتفي بمشاهدة الإنهيارات في صفوف حلفائها أم تقدم على أي خطوة مساعدة لهم.

حتى الساعة، تبدو أنقرة عاجزة عن القيام بأي خطوة، أو على الأقل مترددة، بسبب التداعيات التي قد تترتب على ذلك، مع العلم أنها عملت في السابق على تحضير الأرضية المناسبة، من خلال الإحتكاكات المتكررة مع عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد أن كانت قد عقدت تفاهماً مع الولايات المتحدة، ينص على القيام بعملية عسكرية تكون مهمتها إبعاد التنظيم الإرهابي الأول على مستوى العالم عن حدودها، عبر عملية عسكرية مشتركة يمتد مسرحها من جرابلس حتى أعزاز في ريف حلب.

وفي حين يبدو الموقف الروسي حاسمًا على هذا الصعيد، تبدو أنقرة أحوج ما تكون إلى مراجعة حجم المخاطر الناجمة عن الدخول إلى وكر "داعش" من خلال عملية عسكرية تستهدفه، نظراً إلى أن هذه الخطوة ستقود عناصر التنظيم إلى السعي للرد، عبر إستهداف الداخل التركي من جديد، لكن هذا يعني أن تركيا في موقف لا تحسد عليه، فهي عليها مراقبة ضياع كل الجهود التي بذلتها على مدى السنوات السابقة، أو المغامرة بعملية عسكرية نتائجها غير مضمونة، لا بل قد تكون تداعياتها السلبية أكبر، لكن المعطيات في الفترة الأخيرة توحي بأن أنقرة ذاهبة إلى الخيار الثاني، أولاً عبر العمليات التي تحدثت عنها ​وزارة الدفاع الروسية​، يوم أمس، وثانياً من خلال عملية نزع الألغام في المنطقة الحدودية، التي أدت إلى وقوع إشتباكات مع "داعش"، وثالثاً من خلال تعاونها مع المملكة العربية السعودية، التي أعلنت الإستعداد للمشاركة في عمليات عسكرية في سوريا، لكن كل ذلك يبقى ضمن الخيارات التي ستقود الأوضاع إلى المزيد من التعقيد لا العكس.

في المحصلة، نجح الميدان العسكري في عرقلة مسار المفاوضات السياسية، ولكن هل يقود إلى المواجهة الإقليمية بين تركيا وروسيا، وكيف سيكون المشهد في المنطقة في حال حصول ذلك؟