لطالما كانت العلاقة بين ​الصين​ و​كوريا الشمالية​ مرتبطة بالمصالح، ولا تزال الصين الدولة الاكثر انتفاعاً من الجزء الشمالي من كوريا على الصعد الاقتصادية والمالية، بحكم علاقة قوية تمتد لسنوات طويلة(1).

وليس خفياً ان الصين تمثل "الدرع" الحقيقي لكوريا الشمالية في الامم المتحدة ومجلس الامن حيث تمنع اصدار اي عقوبات قاسية بحق بيونغ يانغ، وتعمل دبلوماسياً من اجل تهدئة الاوضاع وتخفيف التوتر.

لكن بكين باتت اليوم في وضع لا تحسد عليه، ووجدت نفسها "محرجة" من اعلان كوريا الشمالية انها تنوي اطلاق قمر صناعي اوائل الاسبوع المقبل، في خطوة رأى فيها الكثيرون انها "استفزازية" وذريعة لتجربة اطلاق صاروخ باليستي جديد.

الاحراج الصيني اتى لسببين: الاول ان الممثل الصيني الخاص لشؤون شبه الجزيرة الكورية "وو داوي" يزور حالياً بيونغ يانغ لاجراء مشاورات حول الوضع وسبل تخفيف التوتر، وهو كان التقى نظيريه الاميركي والكوري الجنوبي قبل الزيارة.

السبب الثاني يكمن في ان الصين تدافع بقوة عن كوريا الشمالية، ولكنها لم تعد تستطيع الدفاع كثيراً في وجه الممارسات الاستفزازية التي تقوم بها بيونغ يانغ كاختبار صاروخ هيدروجيني سابقاً، ولو ان البعض شكك في حقيقة هذا الاختبار.

اما الموقف الذي ستتخذه الصين، فقد حسمه الناطق باسم الخارجية "لو كانغ" الذي شدد على "ان الصين لن تسمح بتاتاً بحصول حرب او عدم استقرار في شبه الجزيرة".

هذا الموقف تم اعتباره بمثابة رسالة مزدوجة لاميركا والحلفاء من جهة، ولكوريا الشمالية ايضاً. فأميركا التي تضع قواتها على بعد كيلومترات من كوريا الشمالية، من مصلحتها ان يعم عدم الاستقرار السياسي والامني لدى جارة حليفتها، ويأتي هذا التحذير لاميركا بشكل خاص لمنعها من اي محاولة زعزعة للاستقرار هناك.

اما التحذير لكوريا الشمالية، فيكتسب ميزة الدبلوماسية والعلاقات المتبادلة، فإذا رفعت الصين غطاءها، لن تقف روسيا ضدها وضد المجتمع الدولي لمساندة كوريا الشمالية، وسيكون على الاخيرة ان تواجه وحيدة مصيراً مشؤوماً ليس بالضرورة ان يكون حرباً، بل حصاراً اقتصادياً ونفطياً ينهكها من الداخل، كما انه اذا خففت الصين تعاملها مع بيونغ يانغ، فستكون النتيجة ضربة قوية للشماليين علماً ان الصين ايضاً ستتأثر ولكن بنسبة اقل حتماً.

بمعنى آخر، يمكن تفسير الكلام الصيني على انه "استياء" من كوريا الشمالية، ولكنه لا يعطي الضوء الاخضر لواشنطن وحلفائها كي يتغلغلوا في العمق الكوري الشمالي، لان اي استقرار او تهديد من شأنه ان يثير الذعر في نفوس الكوريين الشماليين الذين قد يتحولون الى لاجئين في شمال شرق الصين، فيما سيكون الجنود الاميركيون في المنطقة العازلة بين الكوريتين، وسيشكلون صداعاً كبيراً للقوات الصينية، كما ان المسالة كلها قد تزيد التوتر الى حده الاقصى، بالاخص اذا ما تم اعتبار الوضع غير السوي في الاصل بين واشنطن وبيكين والنظرة الحذرة التي يتبادلانها على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.

قد يكون من الممكن ان تتخذ الصين خطوة اضافية للتعبير عن استيائها من الوضع ككل، ولكن القرار لن يصل حتماً الى حد فرض عقوبات على بيونغ يانغ، كما لن تتخلى عن حليفتها في مجلس الامن، لذلك قد نشهد جولة جديدة من المحادثات الصينية-الاميركية لاحتواء الاوضاع من جهة، ولكن على كوريا الشمالية ان تعمل ايضاً على سياسة ضبط النفس من اجل عدم الامعان في احراج "المارد الاصفر".

الصين حسمت امرها وقررت عدم السماح بوقوع حرب او عدم استقرار في كوريا الشمالية، ليس من اجل حليفتها انما من اجل مصلحة بكين الخاصة، ولكن الحذر يبقى من الحرب الباردة التي قد تشهدها شبه الجزيرة الكورية.

(1)حاربت الصين ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الاميركية والحلفاء خلال حرب كوريا بين عامي 1950و1953، ووصفت العلاقة مع كوريا الشمالية على انها وثيقة جداً.