في الذكرى الحادية عشرة للرابع عشر من شباط، لا تبدو الحالة الشعبية التي أعقبت اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وتحوّلت الى تجمّع سياسي في افضل احوالها. يشبّه أحد أعضاء التجمّع هذا الفريق "بالسياراة التي استهلكت وترهّلت وباتت تحتاج الى صيانة عاجلة...او بيعها للكسر".

فاليوم، وقبل أيام على الذكرى، لا صورة واضحة عن كيفية احياء المناسبة، وسط حال من التململ والحرد، ناجمة عن عوامل عدة، منها السياسي ومنها المالي. فالامانة العامة التي يرأسها النائب السابق ​فارس سعيد​ التأمت للمرة الأخيرة في اجتماع عاصف قبل ثلاثة أسابيع، والمجلس الوطني الذي تشكّل بعد مخاض عسير ليكون فسحة لمّ الشمل للمستقلين برئاسة النائب السابق سمير فرنجية، تحوّل بدوره الى عنوان من دون مضمون.

بناء عليه، تحوّل مقر الأمانة العامة في الاشرفية الى منزل من دون سكان، فافتقد الى جلسات النقاشات وفشّ الخلق، والكعك، والتعبير عن الهموم والتطلعات على فنجان قهوة وسيجارة. للمسألة بعد مالي ناجم عن الشحّ الذي أصاب تيار المستقبل وانعكس على سائر المكونات التي تدور في فلكه. يقول البعض "إن ما كان يدفع للسياسة تحوّل الى الامن والعسكر مع استمرار النيران السورية. وانخفاض أسعار المحروقات لم يترك لبلدان الخليج مجالا "للتبغدد" في الصرف والتمويل والمكرمات. واذا كان سعد الحريري نفسه يعاني مع مؤسساته السياسية والاجتماعية والإعلامية، فكم بالحري بالنسبة الى من لا يشربون عادة من رأس النبع بل من متفرعاته؟".

نوستالجيا البحث عن المضمون

في الأيام الأخيرة، ومع اقتراب الذكرى، عادت النوستالجيا لتفرض نفسها على مشهد"الرابع عشر من آذار"، وخرجت الى الضوء من خلال التصريحات والكتابات، دعوات الى ما يشبه "الحركة التصحيحية"، لا على مستوى الأشخاص، انما لجهة الرؤية والمشروع والبرنامج.

من هنا، بدت الأمور مفتوحة على مراجعة نقدية، ليست الأولى من نوعها، بل تشكّل استكمالا لما يصفه البعض بالمسار الانحداري الحاصل، حتى بات كل عام أسوأ من الذي سبقه على صعيد القدرة على التأثير والإنتاج والتماهي مع الشعارات التي رفعت مع انطلاقة هذا التجمّع.

امس، توجّه فارس سعيد الى السعودية. لم يخف قبيل سفره نقمته على الواقع الحاصل. ينقل بعض المقربين كلاماً عن "اقفال الدكانة" اذا ما استمر الوضع على حاله، "احتراماً لدماء الشهداء وتضحياتهم، وحتى لا تتحوّل قوى الرابع عشر من آذار الى شاهد زور على نحر نفسها بنفسها".

يكفي على هذا الصعيد التوقّف عند المشهد الرئاسي، حيث لم يعد لهذه القوى مرشحها الخاص. سمير جعجع انسحب لمصلحة ميشال عون، وسعد الحريري لا يزال يتشاور مع وزير الداخلية في عهد اغتيال والده ليأتي به رئيساً للجمهورية. وفي هذا السياق، يقول أحد الناقمين " لا يمكن ان نصدق أنه يمكن للشيخ سعد ان يتخطى كل ذلك. فبعدما اتهم فرنجية بمطمر حفرة الاغتيال، يبدو أن هناك من يريد طمر النضال في حفرة المصلحة السياسية".

بناء عليه، تشير معلومات "البلد" الى أن العتاب سيكون سيد الموقف في الساعات المقبلة، "فإما ان يتخذ القرار بإعادة لم الشمل وتصويب البوصلة، او ان لا حاجة لتجمّعات بلا مضمون".

في الصالونات كلام عن ان الرابع عشر من آذار التي عرفها اللبنانيون لم تعد كذلك. وفي داخل هذه القوى من يدعو الى سحب تأييد أي مرشّح من خارجها. "بيكفينا شماتة" يقولون وهم يستعيدون الخطاب الأخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لجهة التسليم برئيس من خارج 14 آذار. من هنا، ثمّة من يؤمن ضمن هذا الفريق بأن الوقت لم يفت بعد على ان يعيد قادة آذار النظر في خياراتهم. وهم يرغبون في خل دينامية ما بين 14 شباط و14 آذار، لاعادة قطار الفريق الى السكّة الصحيحة، اذ ان الرابع عشر من آذار امام مفترق تاريخي "فإما أن نعود الى القضية والى خياراتنا التاريخية ونواصل المقاومة، وإما أن نواصل مسارنا الانحداري لينتهي بنا الامر الى الاستسلام والخضوع".

وتشير المعلومات الى أنّ عدداً من أعضاء الأمانة العامة يشعرون بعدم جدوى استمرارها، ويشتكي بعضهم من طغيان الأحزاب على المستقلّين المنضوين فيها، وهو ما عطّل أيضاً انطلاقة المجلس الوطني الذي مات في مهده بسبب معارضة الأحزاب الكبيرة له، وتحوّل وجود سمير فرنجية على رأسه الى موقع شرفي.

احتفال في البيال...وخطاب قيد الدرس

اليوم، وعلى مسافة عشرة أيّام من الذكرى، وبعد التساؤلات عن كيفية احيائها، جاء الحسم من قبل تيار المستقبل بالعودة مجدداً الى القاعة الكبير في البيال، موجّهاً الدعوات باسمه من دون أيّ إشارة حتى الساعة إلى برنامج الاحتفال وخطبائه، وسط معلومات تقول إن التوجّه لاعتماد رئيس تيار المستقبل متكلماً وحيداً في المناسبة، بعدما كان جانب من التحضيرات يوكل في السنوات السابقة الى "الأمانة العامة" المشلولة مؤخّراً، وغير القادرة على ترميم نفسها بالشكل المطلوب في الأمد المنظور، الامر الذي يكشّل في بعض جوانبها ارتداداً للهزات التي سبقت واعقبت ولادة المجلس الوطني والذي لم يكن سعيد راضياً كل الرضى عن خروجه من رحم "الأمانة الام".

كل ذلك كان يمكن معالجته لأنه يشكّل عطلاً قابلاً للإصلاح. فحتى انفصال رئيس اللقاء الديموقراطي عن هذا التجمّع وتموضعه الوسطي لم يكن ضربة قاضية، طالما ان هذه القوى تمكنت من تجاوزه بأقل الخسائر الممكنة. ولكن العطب الأساس جاء من رأس الهرم، من التبني الذي ينتظر الإعلان لترشيح فرنجية للرئاسة.

اليوم، هناك من يتحدّث عن الحاجة الماسة الى اجتماعات ماراتونية بين بيروت والرياض، لتشخيص داء الرابع عشر من آذار بحثاً عن الدواء. بينما يبرز من يخشى من أن يعتكف الطبيب عن القيام بمهامه، بموازاة استسلام المريض امام تراجعه المستمر.