لم يكن سهلاً على قيادات 8 آذار ان تتابع السجالات التي اندلعت بين حلفائها، فما حصل هو امر نادر ان ترتقي العلاقة بين الحلفاء في 8 آذار الى هذا المستوى ولم يسبق حدوثه في هذا الشكل ، وهو يتفوق على طرح الوزير فرنجية في الرئاسة مقابل ميشال عون ، ولعل الأسوأ منه ان فريق 8 آذار كما تقول اوساط سياسية تنتمي اليه دخل الدائرة المحظورة ويفترض الخروج منها ، فالأخطر من كل ذلك ان فريق 8 آذار صار على قاب قوسين من تضييع وتفويت الفرصة التاريخية التي حصل عليها بانتخاب رئيس منه وبات لديه بدل المرشح الواحد مرشحان وهنا عمق الأزمة التي يفترض حلها قبل ان تداهم العوامل الاقليمية والاحداث اللاعبين والمؤثرين في الملف الرئاسي.

والواضح ان حزب الله كما تقول الاوساط دخل على ملف العلاقة المتأزمة بين الحلفاء ولن يسمح او يقبل بتكرار هذه التجاوزات الخطيرة التي تهدد 8 آذار، صحيح ان السيد حسن نصرالله قالها بالفم الملآن انه لن يرغم حلفاءه على اي موقف في الملف الرئاسي وان الامور دخلت حيز التشاور التنسيق لكن المس بـ8 آذار والسماح بتهديد وحدتها خط احمر. ومنذ تسلسل الاحداث لعب الحزب دوراً هادئاً واشاع اجواء مطمئنة لحلفائه ، فحزب الله الذي احرجته التسوية المطبوخة في باريس بين الحريري -جنبلاط -بري اختار بداية سياسة النأي عن زج نفسه في اي خلاف مع حلفائه لامتصاص المبادرة قبل اي خطوة تحتسب عليه، فابلغ فرنجية شفوياً وعبر قنوات وبطريقة لائقة تحفظ العلاقة الثابتة والاستراتيجية بينهما بانه ملتزم مع عون ولن يتراجع عن التزامه الا اذا قرر عون نفسه ان يتنحى لصالح فرنجية. قبل ان يعقد الأمين العام لحزب الله مؤتمراً صحافياً يضع فيه النقاط على الحروف فيما خص هذا الترشيح. اما وقد وصلت الامور الى هذا الاعلان الصريح من سيد المقاومة فالواضح كما تقول الاوساط ان الوضع عاد الى المربع الاول لما قبل المبادرة وان الفراغ سيعود ليخيم على قصر بعبدا لان مصير كل من فرنجية وعون بات مبهماً في الاستحقاق الرئاسي وبالتالي فان جلسة 8 شباط لن يكتمل نصابها، ومصير ترشيح فرنجية صار معقداً اكثر بعد تفاقم الوضع وتدهور العلاقة الى هذا النحو بين فرنجية وعون، فزعيم المردة يحظى بالدعم السعودي الذي لم يحصل عليه عون قط لكن هذا الدعم وحده لا ينصّب فرنجية رئيساً، ولا يكفي في ظل موقف الرابية وحارة حريك.

اما ترشيح عون فلا يبدو افضل حالاً، تضيف الاوساط، فزعيم الاصلاح والتغيير يدرك ان المعركة التي فتحها تيار المستقبل على ترشيحه لن تتوقف بل سوف تزيد حدتها ولكن الرابية لا تزال تختار التفاوض والتهدئة وفتح جسور الحوار وعدم قطعها مع بنشعي رغم كل ما يقال ويصدر عن زعيمها، لا بل فان عون يحاول مد الجسور والتواصل مع المستقبل وبنشعي لترميم الوضع الرئاسي قبل فوات الآوان وقبل ان يطرأ اي تطورات اقليمية او تبدل في المعطيات ومسار الاحداث الاقليمية.

وفي الوقت المستقطع تجهد 8 آذار على لملمة آثار عاصفة ترشيح فرنجية عليها على حدّ قول الاوساط، وتحاول ان تلملم وتضبط شارعها خصوصاً بعد التصعيد الكلامي وتداول اتهامات من النوع المسيء الى تماسك 8 آذار. واذا كانت 14 آذار تتخبط في مشاكلها بعد خروج حليفها في معراب وتوقيعه اعلان معراب الرئاسي مع الرابية ، فان حال 8 آذار ليست افضل بكثير ، فالجميع كان في انتظار زيارة من ميشال عون الى بنشعي او موقفاً سريعاً يحسم الوضع الرئاسي من حارة حريك ، لكن الزيارة لم تحصل بعد تكرر هجومات فرنجية وتهجمه على عون، في الوقت الذي يحاول حزب الله ترتيب المسألة وتوزيع ما يكتنزه في السياسة والاخلاق على حليفيه.

فحتى الساعة لم تفقه 8 آذار بعد او تدرك الاسباب الحقيقية التي جعلت سعد الحريري يقوم بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ، وهو الذي كان يضع الفيتوات القاسية على اي مرشح من هذا الفريق التزاماً بالخط السياسي الذي يمثله المعارض والمخاصم بقوة لمحور فرنجية وحزب الله وميشال عون ، خصوصاً ان الحريري هو صاحب مشروع ازاحة ميشال عون من درب الاستحقاق ومحاربته وتقزيمه وتحجيمه في اكثر من محطة داخلية ، ولا تعلم قيادات اساسية في 8 آذار اهداف الحريري التي جعلته يخطو هذه الخطوة محبطاً فريق 14 آذار ومهدداً تحالفه القوي مع معراب التي لم تخذله يوماً وبالعكس فانها سارت عكس شارعها المسيحي وجمهورها في اكثر من مرة حتى لا «تغضب الشيخ» او تسيء الى علاقتها به.واكثر التساؤلات هي لماذا فرنجية وليس عون ولماذا السير بخيار الاول وهو الاكثر قرباً والتصاقاً بالنظام السوري منذ سنوات طويلة فيما الحريري معروف بخصومته مع النظام الذي اتهمه ذات يوم باغتيال والده رفيق الحريري فيما ميشال عون يبدو مقرباً من النظام بنسبة اقل من فرنجية، ولماذا سار الحريري في هذا الترشيح الذي قلب الامور رأساً على عقب لدى كل من 8 و14 آذار مطيحاً بالتفاهمات السياسية والالتزامات لتسقط كل من 8 و14 وتتداخل مع بعضها. فهذه القوى اصابها الارتباك لأن فرنجية احد اركانها الاساسيين والاقوياء والداعم الاكبر في ما مضى لترشيح عون في معركته الرئاسية فيما حزب الله هو الاكثر احراجاً لأن علاقته بفرنجية ثابتة واستراتيجية وهو الزعيم المسيحي الاول الذي بادر الى حماية المقاومة في عز «الحشرة» السياسية في حين ان تفاهم مار مخايل ولّد حالة استثنائية في السياسة بين الفريق المسيحي والشيعي تجلت في حرب تموز بابهى حلتها، وبالتالي فحسب الاوساط فان حزب الله الذي سار مرغماً في خيارات التمديد مخالفاً ارادة الرابية لم ولن يقبل هذه المرة بضرب الجنرال بفرصته الاخيرة لدخول قصر بعبدا.

بدون شك فان الحريري يرغب بالعودة الى السراي بعد الضمور الذي اصاب حالته السياسية من جراء الغياب وهو اراد القول انه صاحب الفضل باعادة فتح قصر بعبدا وان المسيحيين هم المعطلون، وان الحريري استطاع اقناع السعودية بامكانية التعايش والحكم مع فرنجية اكثر من عون، ولكن الحريري كما تقول الاوساط فاته ان عون لا يمكن ان يستسلم في الموضوع الرئاسي وان التعنت العوني يعيد الامور الى نقطة الصفر بالملف الرئاسي ويمنع فرنجية من دخول قصر بعبدا، وبالتالي فان من السهولة اكثر على المستقبل التراجع بضع خطوات الى الوراء والتسليم باحقية عون وبالتالي فان الامور ربما ستكون اقل تعقيداً.